بحسب ما استبان له؛ أو يكون مَردُّ الخطأ عنده نابعًا من تقصيرٍ في تحقيقِ مَناط الحديث.
نعم؛ قد يَقع التَّصريح من بعض العلماءِ بأنَّ مَأخذ الرَّد مخالفةُ الحديث في «الصَّحيحين» لدلالةٍ عقليَّةٍ أو حِسيَّةٍ، لكن ردُّ الأحاديث بهذا المَأخذ -لندورِ وقوعِه جدًّا من علماء السُّنة- لا يُمكن أن يُعدَّ قانونًا مَنظومًا من كليَّاتِ منهج أهل السُّنة، ولا يُعرف الرَّد بهذا المَسلك عن أئمَّتهم، وإنَّما وقع من بعض المُتأخِّرين من أهل العلم، والتزامُ هذا المسلكِ في الردِّ أصالةً لا يكون إلَّا غَلطًا محضًا، وعُدولًا عن السَّنَنِ الأبْيَنِ الَّذي سارَ عليه أهل السُّنة والجماعة.
القضية العاشرة: أهميَّة توظيف الحقائق العلميَّة المُتعلِّقةِ بالكونِ في نُصرةِ صِحاحِ السُّنَة، لا على وجه الإبانةِ عن معانٍ تُخالف ما جرت عليه أفهام السَّلف، أو قصد تحديدِ كيفيَّات ما غُيِّب عنَّا؛ وإنَّما على وجه الإبانةِ عن لطائف معاني مُستبطنةٍ تزيدنا يقينًا في النَّص نفسِه، وعلى سبيلِ الكشفِ عن صدقِ ما دلَّت عليه فيما يتعلَّق بالعلومِ الطَّبيعيَّة؛ هذا مِن جِهة.
ومِن جِهةٍ أخرى: بيانُ مَدى قصورِ علومِ البَشر، وأنَّها مهما بلغت في الاتِّساع تظلُّ رهينةَ الاستدراكِ والتَّمحيص.
وأمَّا التَّوصيات، فتَتَجَلَّى في الآتي:
أوَّلًا: مع تحريرِ أئمَّة الحديثِ وضبطِهم لقواعد الحديثِ روايةً ودرايةً، ومُحالفةِ التَّوفيق لهم في ابْتِنائها على أصولٍ عقليَّةٍ مُتَّسقةٍ مع مُقتضى الفِطرة، نلحظُ كثيرًا مِن طَلَبة العلم -مِمَّن ينتسبُ إلى أهل السُّنة والحديث- غُفْلًا عن معرفةِ هذا البناء العَقليِّ المُحكَم الَّذي شادَه أسلافُهم لعلوم الحديثِ، وعن استلهامِ مناهجِهم في النَّظر الدَّقيق إلى النُّقولات.
فالغفلةُ عن ذلك ساقَت إلى تزعزُعِ بعض هؤلاء أمام سَيْل الشُّبهاتِ الَّتي جَهِد أصحابُها على صَبْغِها بالصِّبغة العصريَّة العقليَّة، ثمَّ تسليطِها على هذا الفنِّ، فادَّعوا أنَّه مجرَّد عِلمٍ ساذجٍ مُتصَلِّب، مُفتَقدٍ للعقلنةِ في تأصيلاتِه وتطبيقاتِه.