للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جوابَ سابِقَيه: أي أنَّ البخاريَّ قد اقتصَرَ كعادته على ما هو مَرفوعٌ مِن الحديث؛ وابن حَجرٍ سبق أن بَيَّن هذا في شرحه (١)، ولكنَّ المُعترِضَ يتَعامى.

ثمَّ إنَّ البخاريَّ قد حَذَف مِن هذا الحديثِ ما لا تَعلُّق له بترجمة بابِه، فإنَّ الباب لِما يُفيدُ النَّهيَ عن التَّكلُّفِ، وفي قولةِ عمر رضي الله عنه ما يُفيد النَّهي عن تكلُّف جوابِ ما لا يَعلَمُه الإنسانُ ولا يَلزَمُه، وهذا حقُّه بحسبِ منهجِه في تصنيفِ كتابِه.

أمَّا دعوى بعض الإماميَّةِ منعَ الفاروقِ للاستفسارِ عن غريبٍ القرآن:

فما أبعدَه أن يكون قَصَدَه هو تحديدًا رضي الله عنه، فهو الَّذي كان يُسأل عن الآيةِ فيُجيب (٢)، بل يُبادر إلى سؤال جُلسائِه عن آياتٍ مِن كتاب الله تعالى مِن بابِ المدارسةِ والاختبار (٣).

وليس في مَقولِ عمر رضي الله عنه ما يُشبه النَّهيَ عن تَتبُّعِ معاني القرآن أو البحثِ عن مُشكلاتِه، ولكنَّ عمر وسائر الصَّحابة معه -كما قالَ الزَّمخشريُّ- «كانت أكبرُ هِمَّتهم عاكفةً على العمل، وكان التَّشاغل بشيءٍ مِن العلم لا يُعمَل به تَكلُّفًا عندهم؛ فأرادَ رضي الله عنه أنَّ الآيةَ مَسوقةٌ في الامتنانِ على الإنسانِ بمَطعمه واستدعاءِ شُكرِه، وقد عَلِم مِن فحوى الآيةِ أنَّ الأبَّ بعضُ ما أنبَتَه الله للإنسانِ، متَاعًا له أو لإنعامه.

فعليكَ بما هو أهمُّ مِن النُّهوضِ بالشُّكرِ لله -على ما تَبيَّن لك ولم يُشكل- مِمَّا عَدَّد مِن نِعَمِه، ولا تَتَشاغل عنه بطلبِ معنى الأبِّ، ومَعرفةِ النَّباتِ الخاصِّ الَّذي هو اسمٌ له، واكْتفِ بالمعرفةِ الجُمليَّة، إلى أن يَتبيَّن لك في غيِر هذا


(١) «فتح الباري» (١٣/ ٢٧٢).
(٢) من ذلك سؤاله عن قوله تعالى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤]، كما في البخاري (ك: النكاح، باب: موعظة الرجل ابنته لحال زوجها، برقم: ٥١٩١)، ومسلم (ك: الطلاق، باب: باب في الإيلاء، واعتزال النساء، وتخييرهن وقوله تعالى: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ}، برقم: ١٤٧٩).
(٣) كما في قصة سؤاله لهم عن قولهم في آيات سورة النصر، عند البخاري في (ك: تفسير القرآن، باب: فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا، برقم: ٤٩٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>