للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقت؛ ثمَّ وَصَّى النَّاسَ بأن يُجرُوا على هذا السَّنن، فيما أشبه ذلك مِن مشكلات القرآن» (١).

والَّذي يظهر من سَببِ جهلِ الفاروق رضي الله عنه بحقيقةِ ما يَقع عليه اسمُ الأبِّ مِن أنواعِ العُشب، مع كونِه مِن خُلَّص العَرب، أحدُ سَبَبيْن كما يقول الطاهر بن عاشور:

«إمَّا لأنَّ هذا اللَّفظ كان قد تُنوسيَ مِن استعمالهم، فأحياه القرآن لرعايةِ الفاصلة، فإنَّ الكلمةَ قد تشتهر في بعضِ القبائلِ، أو في بعضِ الأزمان، وتُنسَى في بعضِها، مثل اسمِ السِّكين عند الأوْسِ والخزرج، فقد قال أنس بن مالك: «ما كُنَّا نقول إلَّا المُديَة، حتَّى سمعتُ قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يذكًر أنَّ سليمان عليه السلام قال: (اِيتوني بالسِّكِين، أقسِّم الطِّفل بينهما نصفين)!

وإمَّا لأنَّ كلمةَ (الأبِّ) تُطلَق على أشياء كثيرةٍ، منها النَّبت الَّذي ترعاه الأنعام، ومنها التِّبن، ومنها يابسُ الفاكهة، فكانَ إمساكُ عمرَ عن بيانِ معناه، لعدمِ الجزمِ بما أراد الله منه على التَّعيِين، وهل الأبُّ ممَّا يَرجع إلى قوله: {مَتَاعاً لَّكُمْ}، أو إلى قوله: {وَلأَنْعَامِكُمْ} في جمعِ ما قُسِّم قبله .. » (٢).

وبهذه الأجوبة المُتظافرة على ما أورده (صادق النَّجميُّ) من أمثلة، ظهر لكلِّ مُنصفٍ أنَّ البخاريَّ بَريءٌ مِن تُهمةِ التَّحيُّزِ الطَّائفيِّ في تقطيعِه لمتون الأحاديثِ واختصارِها، بل هو في ذلك مُتجرِّد لموضوعِ كتابِه، والاستدلالِ لكلِّ بابٍ من أبوابِه بما يُناسبه من المتون.

الأمر الَّذي أقرَّ به أحدُ الباحثِينَ من الإماميَّة أنفسِهم، ناقمًا على (النَّجمي) وصمَه لصَنيعِ البخاريِّ في تلك الأمثلة بعدم المَوضوعيَّة، واستضعفَها مِنه في مَقامِ المُحاجَجةِ لأهل السُّنة، قائلًا بعد نقلِه إحدى ما سلف من أمثلةِ (النَّجميِّ):

«هذا الشَّاهد جَيِّد لو أنَّنا دَرَسنا تجربةَ البخاريِّ، ولم نجِد سِوى هذه الشَّواهد وأمثالها هنا، ففي هذه الحال نَعرف التَّحيُّزَ والعصبيَّة؛ لكنَّ ظاهرةَ


(١) «الكشَّاف» للزمخشري (٤/ ٧٠٥).
(٢) «التَّحرير والتنوير» لابن عاشور (٣٠/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>