للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان أكثرُ النُّقادِ على تَوثيقِ جعفرٍ (١).

فلعلَّ من أعدلِ الأقوالِ فيه ما حَرَّره الذَّهبي بقولِه: «جعفرٌ ثقةٌ صدوقٌ، ما هو في الثَّبَتِ كشُعبة، وهو أوثقُ مِن سهيل وابنِ إسحاق، وهو في وَزنِ ابنِ أبي ذئبٍ ونحوه، وغالبُ رواياتِه عن أبيه مَراسيل، وقد حدَّث عنه الأئمَّة، وهو مِن ثقاتِ النَّاس كما قال ابنُ مَعين» (٢).

أقول: بصَرفِ النَّظرِ عن أيِّ الأقوالِ أصدقُ حُكمًا على حديثِ جعفرِ بن محمَّد رضي الله عنه، فإنَّ البخاريَّ قد اجتهَدَ اجتهادًا صرفًا مِن حيث الصَّنعة النَّقديَّة لمَرويَّاتِ الرَّجل، فكان ماذا؟!

والبخاريُّ لا تَشوبُه في اجتهاده شائبةُ هوًى طائفيٍّ البتَّة، فإنَّه وإن ترَك الرِّوايةَ عنه في «صحيحِه الجامع»، فلِمعنًى في حديثِه نفسِه لا غير، وهذا لا يستلزم بحالٍ تَنقُّصًا من قدْرِ جعفرٍ، ولا مِن دينِه وعلمِه؛ حاشَاه!

فإنَّ البخاريَّ لو كان طاعنًا في هذا الإمامِ الشَّريفِ تَعصُّبًا كما تبهتُه به الإماميَّة، لَما رَوى عنه في كتابِه الآخر «الأدب المُفرد» حديثين عن المصطفى صلى الله عليه وسلم (٣)!

بل لَما جَعَلَه حُجَّةً له في موضوعِ كتابِه «خلق أفعال العِباد»، حيث استدَلَّ بقولِه رضي الله عنه أنَّ «القرآن كلام الله، وليس بمَخلوقٍ» (٤)!

ثمَّ إنَّ البخاريَّ وإن لم يُخرِج هو عن جعفرٍ الصَّادق، فقد خَرَّج لعليٍّ زين العابدين (ت ٩٣ هـ) (٥)، وللباقر محمد بن عليِّ (ت ١١٤ هـ) (٦)، وأخرج لمحمد بن


(١) انظر بعض أقوالهم في «تهذيب الكمال» (٥/ ٧٦) فما بعد.
(٢) «سير أعلام النبلاء» (٦/ ٢٥٧).
(٣) في (باب: إِذا ضَرب الرَّجل فَخِذَ أَخِيه ولَم يرد به سوءا، رقم: ٩٥٩، ٩٦٢).
(٤) «خلق أفعال العباد» (٢/ ١٦، رقم: ١٧).
(٥) «الهداية والإرشاد» (٢/ ٥٢٧).
(٦) «تهذيب الكمال» (٣٣/ ١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>