للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا متى جمع الرَّاوي الغِلَظ والدَّعوة إلى بدعتِه، «تُجنِّب الأخذ عنه؛ ومتى جمع الخِفَّة والكَفَّ، أخذوا عنه وقبلوه، فالغلظ كـ: غُلاة الخوارج، والجهميَّة، والرَّافضة، والخِفَّة كـ: التَّشيُّع، والإرجاء؛ وأمَّا مَن استحلَّ الكذب نصرًا لرأيِه، كالخطابيَّة، فبالأَوْلى ردُّ حديثه» (١)، كما قرَّره الذَّهبي.

على هذا نهجُ كثيرٍ مِن نُقَّادِ الحديث في روايتِهم عن أهل البِدع، يَرونَ المَدار في قبول رواية المُبتدع على ضبطِه وصِدقِه، كما ذهب إليه أبو حنيفة، والشَّافعي، ويحيى بن سعيد القطَّان، وعلي بن المَديني، وهو المَشهور بقوله: «لو تركتُ أهل البصرة للقَدَر، وتركتُ أهلَ الكوفة للتَّشيع، لخربَت الكُتب» (٢).

وقال الجوزجانيُّ: «كان قومٌ يتَكلَّمون في القَدَر، منهم مَن يَزِن ويُتوهَّم عليه، احتملَ النَّاسُ حديثَهم، لمِا عرفوا مِن اجتهادِهم في الدِّين، وصدقِ ألسنتِهم، وأمانتِهم في الحديث، لم يُتوهَّم عليهم الكذب، وإنْ بُلوا بسوءِ رأيِهم» (٣).

وهذا عينُ ما توصَّل إليه الخطيب البغداديُّ بعد استقراءِ مُصنَّفاتِ الأئمَّة ونقداتهم للرُّواة، حيث أفادَ كلامًا فصلًا مُفيدًا في هذا الباب، يقول فيه:

«الَّذي نعتمدُ عليه في تجويزِ الاحتجاجِ بأخبارِهم -يعني أهلَ البدع- ما اشتهرَ مِن قَبولِ الصحابة أخبارِ الخوارجِ وشهاداتِهم، ومَن جرى مجَراهم مِن الفُسَّاق بالتَّأويل، ثمَّ استمرار عملِ التَّابعين والخالفين بعدهم على ذلك، لما رأوا مِن تحرِّيهم الصِّدقَ، وتعظيمِهم الكذب، وحفظِهم أنفسَهم عن المحظوراتِ مِن الأفعال، وإنكارِهم على أهلِ الرِّيَب والطرائق المذمومة، ورواياتِهم الأحاديث الَّتي تخالف آراءَهم، ويتعلَّق بها مُخالفوهم في الاحتجاجِ عليهم.


(١) «الموقظة» للذهبي (ص/٨٥).
(٢) «شرح علل الترمذي» (١/ ٣٥٦).
(٣) «أحوال الرجال» (ص/٣١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>