للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال الغُماريُّ: «هذا غَرر (١) النَّواصب! والواقع أنَّه بصريٌّ (٢) ناصبيٌّ، لا تُوافقه نِحلتُه، ولا يُساعده طبعُه على إملاءِ فضائل عليٍّ عليه السلام» (٣).

وهذا مِن تحامُلات الغُماريِّ على بعض أئمَّة السُّنة لنزغة التشيُّع الَّتي ابتُلي بها، وقد أوَّل كلامَه -إن كان مُجمَلًا- على عجلةٍ مِن غير بيِّنةٍ، وهو بهذه التُّهمة موغِلٌ في الشُّذوذ عن جماعة العلماء، فإنَّ أحدًا مِن نُقَّادِهم لم يَرمِه بمثلِ هذا المنكر، وليس مثلُ يزيدٍ في إمامتِه مِمَّن يخفى أمرُه أو يلتبس؛ وقد صحَّ عنه تحريجُه السَّماعَ عمَّن ينتقِصُ مِن عَليٍّ رضي الله عنه (٤).

وأمَّا الجواب عمَّا ورد في كلام يزيد بن هارون نفسِه:

فمُرادُه منه: أنَّ كثيرًا مِن المُتشيِّعة لم يكونوا يَتورَّعون عن اختلاقِ رواياتٍ في ذمِّ عثمان وثَلبِه، فكان يزيد بن هارون بحاجةٍ في مقابل ذلك إلى إظهار فضائلِه، ردًّا على أكاذيبهم؛ وهذا بخلافِ شيعة عثمان، فقد كانوا -في الجملةِ- أشدَّ وَرعًا مِن أن يكذبوا على عليٍّ رضي الله عنه بافتراء خبرٍ يقدح فيه، ومِن ثَمَّ لم يكُن يزيد بحاجةٍ إلى الاستكثار من روايةِ فضائل عليٍّ، بل كان واجب وقتِه إبراز فضائل عثمان رضي الله عنهم (٥).

٥ - محمد بن زياد الألهانيُّ (ت ١٣١ وقيل ١٤٠ هـ): مِن أفاضل التَّابعين، لم يرمِه بالنَّصب إلَّا أبو عبد الله الحاكم، والظَّاهر سلامتُه من هذا، فإنَّ كافَّة مِن تَكلَّم عنه مِن الأئمَّة لم يُشيروا إلى ذلك باستثناءِ الحاكم (٦)، وكان فيه شيءٌ من تَشيُّع، فلهذا عَقَّب عليه الذَّهبي بقولِه: «ما علمتُ هذا من محمَّدٍ» (٧).


(١) مُراده: من تغريرِهم وخداعهم.
(٢) لم أجد من نسبه إلى البصرة إلَّا الغُماريُّ هنا!
(٣) «جؤنة العطَّار» (٣/ ١٢).
(٤) انظر مثالًا له في «تاريخ بغداد» (٨/ ٢٦٧)، و «تهذيب الكمال» (٥/ ٥٧٥).
(٥) «النَّصب والنَّواصب» (ص/٣٩٧).
(٦) انظر «تهذيب الكمال» (٢٥/ ٢١٩).
(٧) «ميزان الاعتدال» (٦/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>