للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلأجل ما مرَّ على ناظِريك من هذه الضَّلالات الهدَّامة للدِّين ومثيلاتها، اشتدَّ العلماء في الحكم على شُذَّاذِ هذا المسلكِ بما لا تراه لهم في طوائفَ أخرى تجرَّأت هي أيضًا على شيءٍ مِن السُّنة النَّبوية، لبلوغِ أولائك ذروةَ القِحة في إنكارِ ما هو مَعلومٌ مِن دينِنا بالضَّرورةِ، ممَّا هو أصلٌ في قيام الإسلامِ بأكمله؛ قد استحقُّوا على ذلك قولَ السُّيوطي فيهم: «إنَّ مَن أنكرَ كونَ حديثِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قولًا كان أو فعلًا -بشرطِه المعروفِ في الأصول- حُجَّة: كَفَرَ وخرجَ عن دائرةِ الإسلامِ، وحُشِر مع اليهود والنَّصارى، أو مع مَن شاء الله مِن فِرق الكفرة .. » (١).

وحاصل القول لهذا المَقام:

أنَّ في الإجماعِ اليقينيِّ المُتحقِّقِ مِن أئمَّة السَّلفِ والخلفِ، لدليلًا كافيًا على فسادِ ما أملتهُ سَمادير الضَّلالِ على أربابِها، مِن إنكارِ وحيِ السُّنة في هذا الزَّمان، وأحسبُ أنَّ المعترضَ على كلامِ أهل الحديثِ مِن هؤلاءِ المُنكرين للسُّنة، لو تخلَّص من رِبقة الجهل، وطالَع شواهدَ سِيَرِهم، وجُهدَهم في خدمةِ سُنَّة نبيِّهم روايةً ودِرايةً: لأخسأَ شيطانَه، ولعادَ قالِبًا لأسيادِه المُستشرقينَ ظَهر المِجَّن، وأذعنَ في اتِّباعِ سبيل المؤمنين، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

ولقد تجرَّأ بعضُ هؤلاء في زمانِنا للتَّعرُّضِ للصِّحاحِ مِن الأخبارِ النَّبوية، بالطَّعنِ في متونِها، وإفسادِ دلالاتِها، بشتَّى المُعارَضات، فجعلوا «الصَّحيحين» بخاصَّةٍ نصبَ سِهامِهم، لمكانتِهما العظيمة عند المُسلمين، فإنَّهم وإن كانوا لا يحتاجونَ لمُعارضةِ الأحاديث بشيءٍ، لإنكارِهم لها مِن الأصل، كما قال أحد رؤوسِهم (جراغ علي الهنديُّ): «إنَّ معاييرَ الصِّدق والأصول العقليَّة لا حاجةَ لإقامتها لتمييزِ الحديث، لأنَّ الحديث في حَدِّ ذاتِه شيءٌ لا يمكن الاعتماد عليه، ولا اعتبارَ لمِا يتحدَّث عنه» (٢).


(١) «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» للسيوطي (ص/٥ - ٦).
(٢) «أعظم الكلام في ارتقاء الإسلام» لجراغ علي ونواب جنك (١/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>