للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَك أنْ تَعجبَ أيضًا مِمَّن يُنكر ما زاد عن القرآن مِن السُّنة وهو يلوك روايةً فيها الأمرُ بعرضِ الحديثِ على القرآن (١)، كحديث: «إذا سمعتم عنِّي حديثًا فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه، وإلَّا فردُّوه» (٢)؛ فليتَه كان صحيحًا، بل مُنكَرٌ مُتهاوي الإسناد! قال فيه الشَّافعي: «ما رواه أحدٌ يثبُت حديثه في شيء صغُر ولا كبُر» (٣)، وقال عنه ابن معين: «حديث وضعته الزَّنادقة» (٤).

وعلى مَن يُحاجُّ به لو كان مُعتقدًا نفيَه الزَّيادة على القرآن، أن يُعمِله أوَّلًا على هذا الحديثِ نفسِه، لأنَّه -كما ترى- حديثٌ زائدٌ عن القرآن (٥)!

يقول ابن عبد البرِّ: «قد عارض هذا الحديث قومٌ من أهل العلم فقالوا: نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كلِّ شيء، ونعتمد على ذلك، قالوا: فلمَّا عرضناه على كتاب الله سبحانه وتعالى، وجدناه مخالفًا لكتاب الله! لأنَّا لم نجد في كتاب الله ألَّا نقبل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا ما وافق كتاب الله، بل وجدنا كتاب الله يطلق التَّأسي به، والأمر بطاعته، ويحذِّر المخالفةَ عن أمره جملةً على كل حال» (٦).


(١) كما تراه في أغلبِ كتاباتِ من أنكر السُّنة من المعاصرين، يتصدَّرهم في ذلك زعيمُهم أبو ريَّة في كتابه «أضواء على السنة النبوية».
(٢) انظر عديد ألفاظه في «الأم» للشافعي (١/ ٩٨)، و «معالم السنن» للخطابي (٤/ ٢٩٩)، و «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (٢/ ١١٩١)، و «الموضوعات» للصاغاني (رقم:٧٦)، و «كشف الخفا» للعجلوني (٢/ ٥٦٩).
(٣) «الأم» للشافعي (١/ ٩٨).
(٤) «معالم السنن» للخطابي (٤/ ٢٩٩).
(٥) ولمزيد استفياء لأدلَّة ثبوت حجيَّة السُّنة النَّبوية، يُنظر كتاب «حفظ الله السُّنة» لـ د. أحمد السَّلوم (ص/٤٩ - ٥١)، حيث أوفى مؤلِّفه في ذكر الأدلَّة النَّقلية والعقلية على حفظها من وجهين من وجوه الضَّياع:
الأول: ضياع الفقدان: باندثار شيء من السُّنة يخلُّ ضياعه بحفظ الدِّين.
الثَّاني: ضياع الشِّك في الثُّبوت: باختلاط ثابتها بمكذوبها، دون قدرة على التَّمييز بينهما، ممَّا يوقع الرِّيبة في كلِّها.
وهذان من الأصول الَّتي يجب العناية بها، بإبراز أدلَّة إحكامها اليَّقينية، كما تراه ماثلًا في كتاب عند حاتم العوني «المحكمات» (ص/٤٩)؛ كما أنَّ من أفضل من ردَّ على شبهات مُنكري السنة: خادم حسين بخش، في رسالته الماجستير المَطبوعة: «القرآنيون وشُبهاتهم حول السُّنة».
(٦) «جامع بيان العلم وفضله» (٢/ ١١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>