للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُقنِعَ مَن لا يَقتنع إلَّا بها، على اعتبارِ أنَّها عنده مِن المُسَلَّمات التي يُصدِّقها ولا يُماري فيها»! (١)

فسعيًا لتحقيق هذا المقصِد، نرى (أبو ريَّة) مهتمًّا بالنَّقل عن (رشيد رِضا) وفيما أخطأ فيه اجتهادُه تحديدًا، لِما يَعلَمُه مِن مَكانتِه العِلميَّة المَرموقةِ في عَصرِه، وإلَّا «لو كان رشيدٌ حَيًّا حين أصدَرَ أبو ريَّة كتابَه، لكانَ أوَّلَ مَن يَردُّ عليه في أكثرِ مِن مَوضعٍ في ذلك الكتاب» (٢).

ثالثًا: تحريفُه لظواهرِ النُّصوصِ عمدًا، وتحكُّمه في مُراداتِها تحكُّمًا يُمليه الهَوى لا البحث المَوضوعيُّ، كادِّعائِه -مثلًا- أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه لديه كِتابَان مَخطوطَانِ حَفِظَهما عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (٣)؛ فهِم هذا مِن قوله رضي الله عنه: «حفِظتُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وِعَاءين، فأمَّا أحدُهما فبَثَثتُه، وأمَّا الآخر فلو بثَثتُه لقُطع هذا البلعوم» (٤).

وظاهرٌ جدًّا من هذا النَّص العَربيِّ المُبين، أنَّ أبا هريرة لم يقصِد ما تقَوَّله (أبو ريَّة)، ولا أحدٌ فهِم أنَّ عنده كتابين، أو كتابًا واحدًا! «وإنَّما قَصَد رضي الله عنه وفَهِم النَّاس عنه: أنَّه حَفِظ ضَرْبَين مِن الأحاديث: ضربٌ يتعلَّق بالأحكام ونحوِها، ممَّا لا يَخاف هو ولا مثلُه مِن روايتِه، وضربٌ يتعلَّق بالفِتَن وذمِّ بعضِ النَّاس، وكلُّ أحدٍ مِن الصَّحابة كان عنده مِن هذا وهذا» (٥).

رابعًا: أنَّه في سبيلِ تأكيدِ الفكرةِ المُستَولِية عليه، يرفضُ نصوصًا أجمَعَ العلماء على صِحَّة نقلِها، مِن حيث يَعتمِد على رواياتٍ مَكذوبةٍ نَصُّوا على بُطلانها! ككثيرٍ من الحكاياتِ المَرويَّةِ في كُتبِ الأدباء، ونَوادِر المَجالِس (٦)، مِمَّا


(١) «أضواء على السنة المحمدية» (ص/٣٣).
(٢) «السنة ومكانتها» (ص/٣٠).
(٣) انظر «أضواء على السنة المحمدية» (ص/١٨٤).
(٤) أخرجه البخاري في (ك: العلم، باب: حفظ العلم، رقم: ١٢٠).
(٥) «الأضواء الكاشفة» (ص/٢٠٣ - ٢٠٤).
(٦) «السنة ومكانتها» (ص/٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>