(٢) لم يكن أبو ريَّة زائغَ القول في جميعِ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان مُعترفًا بالفضل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهم، كما تراه في «أضواء على السنة» (ص/٢٤٢): «لولا حزم أبي بكر، وصرامة عمر، ومن عاونهما من خيار الصَّحابة وصالحيهم، لاندكَّ صرح الإسلام وهو في المهد .. »، ولكنَّهم أفراد قلائل، سَلَّط عليهم لسانَه المَسموم بالذَّم والتَّنقيص من أقدارهم -كمعاوية وأبي هريرة-. فما كان على دواهي الإماميَّة إلَّا امتطاءَ إكافَ ظهرِه، ليشنُّوا به الغارَةَ على أهل السُّنة، مُحاولين -جهدَ أحلامِهم- نقلَ المعركة على السُّنَن داخل الصفِّ السُّنيِّ نفسِه. لأجل هذا أكثرَ (مُرتضى الرَّضوي) صاحب كتاب «مع رجال الفكر في القاهرة» الاتِّصالَ بأبي ريَّة، وكانت علاقته بَعدئذٍ وطيدةٌ بعبد الحسين العامليِّ (ت ١٣٧٧ هـ)، أحد علماء الإماميَّة بلبنان، وقد تأثَّر (أبو ريَّة) بكتابَي مُرتضى العسكري «أحاديث عائشة» و «عبد الله بن سبأ»، يزعم أنَّهما الفصلُ في حقيقة الحقبة الأولى من الإسلام؛ هذا مع ما كانت له من مُراسلات مع كثير مِن علماء الإماميَّة، منهم (صدر الدِّين شرف الدِّين)، الَّذي تبرَّع بطبع كتاب أبي ريَّة «أبو هريرة: شيخ المضيرة» طبعتَه الأولى في لبنان، واصفًا أبا ريَّة في تَقدمته للكتاب في طبعته الثالثة (ص/٥ - ٦): «بالعَلَّامة الَّذي يَلين بيَدِه الحديث»!
وليست هذه المودَّة مِن أبي ريَّة لهؤلاء الإماميَّة مُجرَّد مُداهنةٍ يرجو منها حطامَ دنيا فقط، بل هو مع ذلك مُعتقدٌ لكثيرِ مِمَّا يقولونه أواخرَ عُمره، أظهر ذلك في بعض تَواليفه، منها «أمير المؤمنين عليُّ، وما لَقِيه مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم» -وهو مخطوط-. وينقلُ عنه الرَّضويُّ من بعضِ مَجالسِه قدحَه في أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كاتِّهامِه لها بأنَّها كانت تَكيد بالنَّبي صلى الله عليه وسلم وتمكُر به، وأنَّها «كانت تُؤيِّد معاوية في حروبِه مع عليٍّ رضي الله عنهم، ولم تهدأ ثائرتُها حتَّى قُتِل عليٌّ فَقرَّت عينها، وهدَأت نفسها .. وإنْ كان الظَّنُّ أنَّ الله لا يَغفر لها»! انظر هذا وزيادة في كتاب «مع رجال الفكر في القاهرة» لمرتضى الرَّضوي (١/ ١٣٠ - ١٥٨). فإن كان مُرتَضى صادقًا في ما ينقلُه عنه -ولستُ في ثلَجٍ من وقوع ذلك حقيقةً، لِما عُرفَت به الإماميَّة مِن الكذب نُصرةً لدينِها، ولستُ أستبعِده أيضًا- فإنَّ (أبو ريَّة) يكون بِهذا قد تزندق! لا تُعلم له طائفةٌ يَنتسِب إليها، فتنةً من الله له جَرَّاء خُبثِ طَويَّتِه، ووقوعِه في أولياءِه.