للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذه الخُلاصة عن (أبو ريَّة)، فإنِّي مُقرٌّ بأنِّي لم أجد مَن ترجمَ له ترجمةً تُنبئ عن مُستواه العِلميِّ، وتصنيفِه الفكريِّ، بل أيَّ ترجمةٍ تاريخيَّة كيفما كانت! ولو مِن مُقَرَّبيه، ولو بعد موتِه! «فكأنَّما تَواصى النَّاس على إخمالِ ذكرِه، ولولا أنَّه يُعاد ذكرُه عند الطَّاعنين في السُّنة والحديث، مُستشهِدين بكتابِه، وعند المُدافعين عنها نقضًا لكلامِه: لكان نَسْيًا مَنسِيًّا، وهذا مِن عجيب صُنع الله عز وجل به!» (١).

وبهذا يتَّضح أنَّ كتابَ (أبو ريَّة) ليست له أيَّة قيمةٌ علميَّة مُعتبرةٍ، لأمرين بارزين فيه:

أوَّلًا: خُلوُّ الكتاب مِن المنهج المَوضوعيِّ النَّقديِّ القويم، وهو الَّذي يدَّعي أنَّه «أعلم من الشَّافعي وأبي حنيفة!» (٢).

ثانيًا: خلوُّ كاتِبه مِن الأمانة العِلميَّة (٣)، وهو -مع ذلك- لا يَرْعوي أن يَنبُزَ مَن عَلَّموا الدُّنيا أمانةَ العلمِ وبراعة التَّحقيقِ بالغفلةِ أو الكذب.

ولعلَّ هذه النَّفس المغرورةَ بجهلِها المُركَّب، هي ما دَعَت أستاذَه الأديب الصَّادقَ الرَّافعي (ت ١٣٥٦ هـ) أن يَقول له قولتَه اللَّاذِعة: «ليتَك كنتَ مَجذوبًا يا أبا ريَّة .. ولكنَّك لا تصلُح مَجذوبًا ولا عاقِلًا» (٤)! ..

وصدقَ رحمه الله.


(١) مقدمة تحقيق علي عمران لـ «الأنوار الكاشفة» (١٢/ ٦ - ٧ آثار المعلمي).
(٢) «مع رجال الفكر في القاهرة» لمرتضى الرضوي (١/ ١٣٠ - ١٥٨).
(٣) انظر «السنة ومكانتها» لـ د. مصطفى السباعي (ص/٣٧٣).
(٤) «من رسائل الرافعي إلى محمود أبو ريَّة» (ص/٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>