للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقةً (١)! بل هواه إلى ردِّ كثيرٍ منها، هذا مع اعترافِه بعدم مُناقضتِها للقرآن، بدعوى أنَّها متونَها مِن المواضيع الشَّكليَّة الَّتي لا تأثير لها في الإسلام، كما الحال مع حديث: «احفوا الشَّوارب، وأرخوا اللِّحى» (٢)، فهو لا يرى في هذا الحديث فائدةً أصلًا!

وهكذا كثيرًا ما يُورِّطه ذوقُه الرَّديء في اتِّهامِ الحديثِ ورواتِه باختراعِ ألفاظٍ في المتونِ افتراءً على الدِّين، كحديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه الَّذي فيه: « .. قال: هذا آدم، وهذه الأسْوِدة عن يَمينه وشِماله نَسَم بَنِيه .. ».

هذا الحديث قد أقلق مضجعَ (نيازي) وأغاضَه، إذ لم يسبِق لحضْرته أن سَمِع بكلمةَ «الأسْوِدَة» (٣) ولا عَلِم بمعناها! وطالما أنَّ عربِّيًا مثلَه لا يعرفها، فهي إذن مُختلَقةٌ لا معنى لها في لسان العرب! ثمَّ راح يُفسِّر للقارئ سببَ هذه البائقة، بـ «أنَّ راوي هذا الحديث لا يُتقِن العرَبيَّة، ولم يعرف عند نقلِ الحديث معنى (السَّواد)، فكتَب (أسوِدة)! وجَعلَ الَّذي على اليمين أيضًا مِن الأسودة الَّتي لا معنى لها» (٤)!

المُضحك من هذا، أنَّه مع عجزِه عن تفهُّمِ مثل ذاك الكلامٍ العَربيِّ المُبين، وتَعسُّفه في (فبركةِ) أسبابٍ لوضعِ الحديث لم تخطر على قلب بشر: يعاتبُ العلماء على تقصيرِهم -بل جُبنِهم- عن مُصارحةِ مَتبوعيهِم بما في «الصَّحيحين» مِن مَكذوباتٍ! تهدم أُسَّ العقيدة والشَّريعة برُمَّتها، وبما فيها مِن مُناقِضاتٍ لكتاب الله تعالى في الأحكامٍ والأخبارٍ، كما فَعلوا ذلك -دون تَهيُّبٍ- بأحاديث مَوضوعةٍ أخرى في غيرهما مِن مُصنَّفات الحديث.


(١) «دين السلطان» (ص/٢٤٠).
(٢) «دين السلطان» (ص/٢٤٠).
(٣) الأسودة: جمع سواد، وهو الشَّخص، وقيل: الجماعات من الناس، انظر شرح النووي على صحيح مسلم (٢/ ٢١٨).
(٤) «دين السلطان» (ص/٣٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>