للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثَّل لذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنه: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: ٢٨٤]، قال: «نَسَختها الآيةُ الَّتي بعدها» (١).

فقال: «هذا منسوبٌ لمِن هو دون الرَّسول، ولذلك كان يجبُ ألَّا يكون في كُتب الحديث» (٢)، وقد عَمِي عن أنَّ قولَ ابن عمرَ له حكمُ الرَّفع، لأنَّ مثله لا يُقال بالرَّأي، فضلًا عن الرِّواياتِ الأخرى في نفسِ البابِ، والَّتي تُصرِّح برفعِ هذا إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم.

ثمَّ أتبعَ (ابنُ قرناسٍ) هذا بعمايةٍ أخرى عن مصطلحات القومِ، وذلك أنَّه أساء الظَّنَّ بعدالة أهل الحديث لمُجرَّد أنَّ فيهم من وُصف بالتَّدليس، وهو يفهِم لفظَ (التَّدليس) على المعنى الدَّارج عند العامَّة، الَّذي هو بمعنى (التَّحيُّلِ في الكذبِ)، فاعتقدَه دليلًا يُطعَن به في عدالةِ حَمَلة السُّنَن، قائلًا: « .. وِمنهم مَن دَلَّس على الرَّسولِ، مع سبق الإصرار والتَّرصُّد»!

فأمَّا أوَّل حديثٍ استفَتَح به كتابَه، يُنبيك عن سقوط أمانته في النَّقد وأحقيَّته بمفهومه للتَّدليس القبيح:

ما رُوي عن أبي سعيد الخدري مَرفوعًا: « .. أخرجوا مَن كان فيه قلبه مِثقال حبَّةٍ من خردلٍ من إيمان .. ».

يقول ابن قرناس فيه: «إذا كان الحديث قال به الرَّسول، فمَن أخبَرَه بخَبرِ الجنَّة والنَّار، وهما مِن عالمِ القيامةِ الَّذي لم يُخلق بعد؟! ... وكلُّ ما سيحدثُ في يومِ القيامةِ هو مِن عالَم الغيب، الَّذي تَفَرَّد الله -سبحانه- بعلمِه لوحده: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} [الجن: ٢٦]» (٣).

كذا قال، واضعًا يَدَه على الآية بعدها -كاليهود- يستُرها ألَّا تفضحَ هواه، وتُسقط دعواه! وهي قوله تعالى بعدها: {إِلَاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} [الجن: ٢٧].


(١) أخرجه البخاري (ك: تفسير القرآن، باب {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ}، برقم: ٤٥٤٦).
(٢) «الحديث والقرآن» (ص/٤٣٣).
(٣) «الحديث والقرآن» (ص/٢٩ - ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>