للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكفيكَ لتعلمَ مقدار عقلِ الرَّجل، ومَدى أهليَّته للنَّقد، أن تقرأ ما تعقَّب به قوَله صلى الله عليه وسلم: «لا أحدَ أغْيَرُ من الله، ولذلك حَرَّم الفواحش»، حيث فَسرَّ تَعسُّفًا معنى الفاحشةِ بمُطلق الجِماع! أي: أنَّ الله تعالى يَغار مِن ممارسةِ عبدِه للجنسِ مُطلقًا!

نعم والله، هكذا فهِمَ الحديثَ! وزادَ أن استنكرَ على مَن يُصدِّق هذا الخبر بشدَّةٍ، وراحَ يُعدِّد للقارئ فوائد الشَّهوةِ الجنسيَّة تطمينًا لقلوبِهم! يقول: «هذا القول تجنٍّ فاحش على الذَّات الإلهيَّة، فالله هو مَن خَلق الخلق، وجَعَل فيهم غريزةَ الجنس لكي يَتَناسل البَشرَ ويبقون .. » (١).

وهكذا تكون بدائع الفوائد وإلَّا فلا!

و (ابن قرناسٍ) وإن كان يحاول جهدَه بيانَ العِلل الَّتي لأجلِها استنكرَ حديثًا ما، غير أنَّه يُبهِم ذكرَ ذلك كثيرًا، فتراه يستنكر الحديث دون إبداء سببٍ ظاهرٍ، وهذا النَّفيُ الجازم منه إمَّا أن يكون لخبرٍ غَيبيٍّ بَلَغه، أو أن يكون لمانعٍ عقليٍّ يقطع بعدم إمكانِ ذلك؛ وكلُّ ذلك لا وجود له.

كما الشَّأنُ -مثلًا- مع حديث ابن عباس رضي الله عنه: «إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم سَجَد بالنَّجم، وسَجَد معه المسلمون، والمشركون، والجنَّ، والإنس»، فقال ابن قرناس: «بطبيعةِ الحال هذا لم يحدُث، ولا يُمكن أن يكون حَدَث»، .. ثمَّ سَكَت! (٢)

وسيأتي رَدُّ بعضِ مُعارضاتِه لأحاديث «الصَّحيحين» مِمَّا نراه يستحقُّ شيئًا من النَّظر في مكانها المُناسب مِن الباب الثَّالث في هذا البحث -إن شاء الله-.


(١) «الحديث والقرآن» (ص/٤١٧).
(٢) «الحديث والقرآن» (ص/٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>