للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا نهج سبيل البُهتِ إلى آخر مقدِّماته الَّتي استغرقت منه نصفَ الكتاب، والنَّصفُ الثَّاني حشاه بالطَّعنِ في خمسين حديثًا اختارَها مِن «الصَّحيحين».

فهل يُفهم من هذا كلِّه أنَّ (سامرًا) يُقرِّر كذب كلِّ الأحاديث النَّبويَّة؟!

يجيب قائلًا: «لم أقُل ذلك؛ وإنَّما قُلت: إنَّ الوضعَ والكذبَ على لسانِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد فَشا بعد وفاتِه» (١).

نعم؛ هو -كما قال- لا يَعتدُّ بالحديثِ ولا يَرفعُ به رأسًا في احتجاجٍ ولا استئناسٍ من الأساس، غير أنَّه يَعتقد أنَّ للعقلِ وظيفةً تكمُن في القيام بـ «عمليَّة الفرزِ» في الحديث النَّبوي، وذلك «حسبَ الأدوات المعرفيَّة الجديدة، فيُحتفَظ بالصَّواب، ويُستبعَد الخطأ» (٢).

وما دور علمِ الإسنادِ والحديثِ إذن؟

يُجيب قائلًا: «ليسا أساسًا لمعرفةِ صِحةَّ الحديث، بل هو القرآن والعلم أوَّلًا ..

فمنذ متى صار معرفةُ النَّاس وأحوالهِم علمًا له مَعايير وقواعد؟! ..

إنَّ العلم هو مجموعةُ قواعد وقوانين يَتمُّ البرهنةُ عليها مِن الواقعِ والفلسفة، فتصير مِعيارًا وميزانًا .. فهل الإسناد هو عِلمٌ بهذا المفهوم؟!» (٣).

هكذا يَتسائل المؤلِّف تساؤل المُستنكرِ الفَهِيم.

لكن سرعانَ ما ناقض كلامَه بعد هذا التَّقرير بأسطرٍ مناقضةً فاحشةً، حث أراد أن يبيِّن للقارئِ المعيارَ الَّذي يُنسَب به الحديث إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: « .. إنْ وافق متنُ الحديث القرآن، وانسجَمَ معه بين يديه لا يتجاوزه، يَتمُّ النَّظر في سَندِه: فإن صَحَّ على غَلبةِ الظَّنِ، ننسبُه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يَصحَّ سنده


(١) من مقاله «البخاري يضعف أحاديث مسلم» على موقع «أهل القرآن» بتاريخ ١٥ غشت ٢٠٠٧ م
(٢) «تحرير العقل من النقل» (ص/١٤).
(٣) انظر كتابه «قراءة نقدية لخمسين حديثًا من البخاري ومسلم» (ص/٧ - ٨)، ومقاله «البخاري يضعف أحاديث مسلم» على موقع «أهل القرآن» بتاريخ ١٥ غشت ٢٠٠٧ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>