للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شحنِ العامَّةِ بقناعاتِه هو جملةً، ولكن يمشي في سبيل تحقيقِ غايتِه بسياسة التَّقطير! يُسرِّب أفكارَه قطرةً تلوَ القطرة على مَهل.

أمَّا مَن كان من هؤلاء حديدَ الأخلاقِ، ثوريَّ الطَّبع، فإنَّك تراه منتهجًا حربَ العصابات! يضربُ بشُبهةٍ هنا، ليختفيَ بعدها مُدَّة؛ ثمَّ يقذف بشُبهة هناك، ثمَّ يُظهِر لك بعدها وجه المُسالم ..

وهكذا القوم! ليسوا يُريدون إلَّا إنهاكَ أفكارِنا، لنستسلِم لهم بأخِرَةِ.

فاسمع لـ (حسن حنفيِّ)، كيف يبوح بهذا السِّرِ في مُحاربةِ تُراثِ المُسلمين، في مثل قوله:

«نصر أبو زيد بمثابة (اسْبينُوزا)! قال أشياء كُنت أتمنَّى أن أقولها، ولكن ربَّما استخدامي لآليات التَّخفِّي، حالَ بين فهم ما أردتُ أن أقول؛ نحن مجموعةٌ مِن الأفراد، لو اصطادونا، لتَمَّ تصفيَتُنا واحدً واحدًا.

ولذلك أرى أنَّ أفضلَ وسيلةٍ للمُواجهة، هي استخدامُ أسلوبِ حربِ العِصابات! اِضْرِبْ واجْرِ! اِزرعْ قنابلَ موقوتةً في أماكن مُتعدِّدة، تنفجرُ وقتما تنفجر، ليس المُهمُّ هو الوقت، المُهمُّ أن تُغيِّر الواقع والفكرَ» (١).

وبهذا وضعوا خُطَّة التَّبشير بمَذهبِهم: أن يُشِغلوا النَّاس بأفكارِهم، ولا ينشغِلوا هم بأفكارِهم؛ فلَعمري لقد نهجوا هذا المسلك الخبيث باحترافيَّة!

فكان أَوْلى -في نظري- بالمُتشرِّعينَ بَدَل أنْ يَتَقمَّصوا وظيفةَ رجالِ الإطفاء كلَّ مرَّة، فيَقفزوا مِن حريقٍ فكريٍّ إلى آخر ليُخمِدوه، أن يهتمُّوا بإشغالِ النَّاس بأفكارِهم النَّيِرة بنورِ الوحيِ أوَّلًا، فيتوَّجهوا إلى التَّأسيسِ والبناءِ الفكريِّ لعمومِ النَّاس أوْلَوِيَّةً ضروريَّةً، بدلَ الانكباب على نقضِ صروح الآخرين والرَّد علي أفكارهم، مع التَّقصير في بناء صروحنا صروح الحقِّ!


(١) جريدة «أخبار الأدب» المصرية، عدد ٢٨/ ١٢/٢٠٠٣ م، وجريدة «المستقبل» اللبنانية، عدد ٣/ ١/٢٠٠٤ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>