للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كان هذا التَّيار في بدايات نشوءِه مُعلِنًا عن مفاصلتِه للشَّريعة الإسلاميَّة وما يَمُتُّ بها مِن تراثٍ يناقض روح العصر بزعمه؛ ثمَّ بعد تجارب له مَريرة، توصَّلَ بعض رُوَّادِه بأنَّ سلوك هذه المُحادَّاة المباشرة طريقة خاطئة أن تُطبَّق في بلاد المسلمين.

يشرح هذا التَّحول النَّقديَّ وأولويَّته (عابد الجابريُّ) في قوله: «إنَّ التَّجديدَ لا يُمكن أن يَتِمَّ إلَّا مِن داخلِ تُراثِنا، باستدعائِه واسترجاعِه استرجاعًا مُعاصرًا لنا؛ وفي الوقتِ ذاتِه، بالحفاظِ له على مُعاصَرتِه لنفسِه ولتارِيخيَّته، حتَّى نَتمَكَّن مِن تجاوزِه مع الاحتفاظِ به، وهذا هو التَّجاوز العلميُّ الجَدليُّ!» (١).

وعلى هذا صار هذا الاتِّجاه السَّائد في الدِّراساتِ المُصادِمةِ للنَّصِ الشَّرعيِّ يعتمِدُ على ذات النَّصِ للتَّخلُّصِ مِنه، فإنَّ مذهب الرَّفضِ للنُّصوصِ الشَّرعيَّة جملةً وإعلان المُعاداة لأحكام ظواهرها قد ضَعُف حضورُه كثيرًا في الآونةِ الأخيرة، مراعاةً للرَّفضِ الشَّعبيِّ العامِّ لمثلِ هذه الطَّرائق؛ فلهذا ابتُلينا بكثير مِن المُنحرفِين والمُعادين للسُّنةِ يُقدِّم نفسَه على أنَّه مُجدِّدٌ للتُّراث! وقارئٌ للنَّصِ بما يُوافِق الواقع! مغربلٌ له على ضوءِ المناهج الجديدة، ليُقرِّر معنى فاسدًا يصبو إلى تقريرِه (٢).

ومن ثمَّ تَركَّزت حربهم على أصولِ الاستدلال؛ على مُنازعةِ السَّلَفِ الصَّالح في تديُّنهم، مُعارضين لأصلِ أن يكونَ فهمُ هؤلاء هو المِعيارَ الحاكِمَ في تفسيرِ القرآنِ وما اشتهوا قبوله من السُّنة؛ هذا ما يفني الحَداثيون المنتسبون للإسلام أعمارَهم لرفضِه، فإنَّهم في أنفسِهم أفهم مِن العلماء المتقدِّمين جميعًا بمُرادات القرآن، لمِا يرونه من معرفتهم بالمُستجدَّات المُعاصرة (٣)! وغاية الحُمق والسَّفه أن


(١) «مجلة المستقبل العربي»، العدد ٢٧٨، حاوره عبد الإله بلقزيز.
(٢) انظر «التَّسليم للنَّص الشَّرعي» لفهد العجلان (ص/١٢).
(٣) كما تراه عند محمد شحرور في كتابه «الكتاب والقرآن» (ص/٥٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>