للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه المُسلَّمات لأجلِ خلقِ اجتهادٍ مَفتوحٌ، ينبني على فكرةِ أنَّ إنتاجَ المعنى مَسئوليَّةُ الإنسانِ وحده (١).

وهم في هذا التَّصوُّرِ لتشريعاتِ الدِّين مَسبوقون بفلاسفةِ التَّنويرِ الغَربيِّ الوَضعيِّ (٢)، حين اعتبروا كتابَهم المُقدَّس بعَهْدَيْه مُجرَّدَ رموزٍ، وأنَّ التَّديُّن إنَّما يُمثِّل مَرحلةً تاريخيَّةً في عُمرِ التَّطوُّرِ الإنسانيِّ، تُعدُّ فيه مرحلةَ الطُّفولةِ العقليَّة، فهو إيمانٌ مَثَّل حِقبةً تاريخيَّةً، فهذه الأديان والشَّرائع لم تَعُد صالحًة لعصرِ النَّهضة التَّقنيَّة اليوم بزعمِهم (٣).

وقد صرَّح (نصر أبو زيد) بابتناءه كلامه في نصوص التُّراث الإسلاميِّ على أفكار الفيلسوف الأمريكيِّ (إيريك هيرش) (٤) في تفريقه بين المعنى الثَّابت والمغزى المتغيِّر من النُّصوص اللُّغويَّة (٥)، وعليها عدَّ (أبو زيد) نصوص الشَّرع تاريخًا مضى لا يصلح بالضَّرورة لواقعنا المعاصر، لكونها مُنتجًا ثقافيًّا تخضع للمعايير الاجتماعيَّة والثَّقافية السَّائدة في زمن المُفسِّر لها، فليس لها أيُّ مضمون ثابت (٦).


(١) انظر لهذه الفكرة في «إسلام المُجدِّدين» لمحمد حمزة (ص/٥٧)، و «الإسلام السُّني» لبسَّام الجمل (ص/٩ وما بعدها).
(٢) الوضعيَّة: نزعة فلسفية علمانية ظهرت بداية من النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلاد في أوربا، رفضت أيَّ سلطان على العقل إلَّا للعقل، وأحلَّت العقل والعلم والفلسفة محلَّ الدِّين واللَّاهوت الكَنسي، انظر «موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة» (١/ ٣٩٥).
(٣) انظر بحث «تاريخية القرآن الكريم» لمحمد عمارة، ضمن مجموع «حقائق الإسلام في مواجهة المشكِّكين» (ص/٣٠٧ - ٣٠٨).
(٤) إيريك دونالد هيرش: ناقد أدبي أكاديمي، وأستاذ فخري في التربية والعلوم الإنسانية بجامعة فرجينيا بأمريكا، وُلد سنة ١٩٢٨ م، من مؤلفاته «صناعة الأمريكيين: الديموقراطية ومدارسنا»، ترجمته في الموسوعة الإلكترونية (ويكيبيديا).
(٥) انظر «نقد الخطاب الديني» له (ص/٢١٧).
(٦) انظر «نقد الخطاب الديني» له (ص/١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>