للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونتاجًا لهذا المقصد، نرى (شحرورًا) يسارع إلى إنكارِ أن يكون النَّبي صلى الله عليه وسلم روى عن ربِّه تعالى أحاديثَ قدسيَّة كالَّتي يجدها في «الصَّحيحين»، لأجلِ أنَّ التَّنزيلَ عنده قادرٌ على تفصيلِ الأحكامِ، دون حاجةٍ إلى مثلِ هذه القُدسيَّات! وكذا أفرغَ أحاديث السِّيرة الخاصَّة مِن فائدتها، «لأنَّها ليست مَحلَّ أُسوةٍ لأهلِ الأرضِ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ» (١).

وهكذا، تستشعرُ مِن الرَّجل أنَّه ما يريد إلَّا المَساسَ بالمُسلَّمات ونقضَ عُرى الأصول الثَّابتة، حتَّى إنَّك لتحسَب أنَّه عن عَمدٍ يستكثرُ المُخالفة في ذلك، ولقد أُحِصيَ له «في كتابه (الكتاب والقرآن)، ما يزيدُ على ألفِ مَوضعٍ، يُمثِّل انحرافًا عن المنهجِ الإسلاميِّ»! (٢)

وما أحسبُ ذلك منه إلَّا لغَرضِ التَّهويلِ والإقناعِ الجَبريِّ بفكرتِه، من خلال الإثقالِ على عقلِ القارئ، واستقطاب المُحبَطين مِن الرَّتابةِ الفكريَّة الَّتي يعيشونها في زمَنِ المُتغيِّرات.

الفرع الثَّاني: موقف (محمد شحرور) مِن أحاديث «الصَّحيحين».

جريًا مِن (شحرورٍ) على منوالِ تقسيمِه السَّالِفِ للسُّنة وتاريخيَّتها، توجَّه إلى أحاديثِ «الصَّحيحين» بفرزٍ مُحدثٍ يدَّعي فيه أنَّ ما خالف منها ظاهر القرآن أو لم تقبله عقولنا مَكذوبٌ، وما كان منها مُوافِقًا للقرآن فيُستبقَى عليه استئناسًا لا احتجاجًا!

يقول في تقرير ذلك: «علينا بعد أن تمَّ توظيف الأحاديث الإخباريَّة في تحديد عقيدة المؤمنين، عوضًا عن التَّنزيل الحكيم، أن نقف من هذه الأحاديث موقفًا جديًّا، وأن نعيد النَّظر فيها، ونعرض ما تعلَّق منها بالأحكام على كتاب الله، نستبعد ما يتعارض معه، ونُبقي على ما بقي للاستئناس! حيث سيتمُّ


(١) «نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي» لشحرور (ص/١٦٣ - ١٦٤).
(٢) «النزعة المادية في العالم الإسلاميِّ» لعادل التلّ (ص/٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>