للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استبعاد كلِّ أحاديث الرِّقاق والغيبيَّات والإخبار عن المستقبل، وفضائل الأمكنة والرِّجال» (١).

وبما أنَّ «الصَّحيحين» قد جَمَعا أصنافَ الأحاديثِ الَّتي رَدَّها في تقسيمِه النَّشازِ للسُّنة، لم يجد (شحرورٌ) تفسيرًا لتَبوُّئهما المنزلة الرَّفيعة عند المسلمين إلَّا «على أساسٍ سِياسيٍّ قبل أن يكون على أساسٍ فِكريٍّ»، استُعمِل الشَّيخانِ -أو مَن يَصِفُهم هو بـ «الهَاماناتِ»! - من قِبَل السَّاسة لتحويلِ النَّاسِ إلى قطيعٍ يُركَب عليه ويُساق حيث شاؤوا، وذلك لـ «عجزِهم عن الخوضِ في التَّنزيلِ الحكيمِ بشكل عَميقٍ» كما يَفعلُ هو!

فمن يصدر منه هذا اللَّغو، لن يتورَّع عن أن ينفي العلم والإمامَة عن البخاريِّ أو مسلم، وقد قالها فعلًا: «كيف أُسمِّي البخاريَّ إمامًا، إذا كان لا يُفرِّق بين الإسلام والإيمان؟! ففي باب الإيمان، نرى الحديثَ الأوَّل هو: بُنِي الإسلام على خمسٍ!» (٢).

وإمامةُ البخاريُّ ثوبٌ دُلِّيَ على كَتفٍ عالٍ، لا يَصل إليه قِزمٌ مثل شحرورٍ -ولو طارَ! - فينزعه؛ إنَّما أرادَ البخاريُّ مِن تصديرِه لبابِ الإيمان بحديثِ أركانِ الإسلام العَمليَّة: التَّأكيدَ على أنَّ الأعمالَ داخلةٌ في مُسَمَّى الإيمان، فإنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ، على ما حكاه الشَّافعي وأبو ثَورٍ إجماعًا عن الصَّحابة والتَّابعين (٣)، ومنه قول الأوزاعيِّ: «كان مَن مَضى مِمَّن سَلَف، لا يُفرِّقون بين الإيمانِ والعمل» (٤)؛ ومِن هنا نَشَأ لهم القولُ بزِيادةِ الإيمانِ ونقصِه (٥).


(١) «نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي» لمحمد شحرور (ص/١٦١).
(٢) من «لقاء محمد شحرور مع منتدى الشرفة» الجزء الأول، ٢٥ فبراير ٢٠١٠ م، الموقع الرسمي له على شبكة الإنترنت.
(٣) «فتح الباري» لابن رجب (١/ ٥).
(٤) «الإبانة الكبرى» لابن بطة (٢/ ٨٠٧)، و «شرح اعتقاد أصول اعتقاد أهل السنة» للالكائي (٥/ ٩٥٦).
(٥) «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>