للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أمثلة ذلك: طعنُه في الحديثِ المُتَّفق عليه مِن روايةِ أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«يقول الله: يا آدم، فيقول: لبَّيك وسعديك، والخير في يَديك، قال: يقول: أخرِجْ بَعْثَ النَّار، قال: وما بَعثُ النَّار؟ قال: مِن كلِّ ألفٍ تسعُ مائة وتسعةٌ وتسعين! فذاك حين يَشيبُ الصَّغير، {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: ٢].

فاشتدَّ ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله، أيُّنا ذلك الرَّجل؟! قال: «أبشِرُوا، فإنَّ مِن يأجوجَ ومأجوجَ ألفًا، ومنكم رَجلٌ .. » الحديث (١).

فردَّ (شحرور) هذا الحديث من حيث الإجمال بأنَّه مِن أخبارِ الغيب، إذ النَّبي صلى الله عليه وسلم عنده لا يعلمُ الغيبَ بنصِّ القرآن؛ وجهلَ المسكينُ أنَّه -وإن نُصَّ على أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يعلمُ الغيبَ بنفسِه- فإنَّه يُوحى به إليه من ربِّه، فيُبلِّغه لأمَّتِه بلسانِه، والله ميَّز الأنبياء عن سائر البشر بمثل هذا، فقال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [الجن: ٢٦ - ٢٧]، وقال في حقِّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بخصوصِه: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: ٣].

ثمَّ ردَّ (شحرور) هذا الحديث بثلاثِ دعاوي من حيث التَّفصيل (٢):

الأولى: زعم فيها بأنَّ الحساب لم يَتِمَّ أصلًا، وكُتب الأعمال لم تُوزَّع بعدُ في المَحشر ساعة نداء الله لآدم.

قلتُ: وهذه شُبهة مُنطوية عن سوء فهمه، فإنَّ الحديث لا يفيد أنَّ آدم عليه السلام أُمِرَ بأنْ يَجُرَّ كلَّ مَن كُتِب عليه النَّارُ إلى النَّارِ، ولا أن يُعلِم كلَّ واحدٍ منهم


(١) أخرجه البخاري في (ك: الرقاق، باب قوله عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}، رقم: ٦٥٣٠)، ومسلم في (ك: الإيمان، باب قوله يقول الله لآدم أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، رقم: ٣٧٩).
(٢) «نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي» (ص/١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>