للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمَصيرِه، وإنَّما أمرَه الله تعالى أن يُمَيِّز هو أهلَ النَّارِ مِن غيرهم، وذلك يكون في الحشرِ، حيث يجتمعُ النَّاس ويختلطون.

فالقصدُ «هو الإخبارُ أنَّ ذلك العددَ مِن وَلدِه يَصيرون إلى النَّار» (١)، ولذا جاء مِن مُرسَلِ الحسن، قال: «يقول الله لآدم: يا آدم! أنتَ اليوم عَدلٌ بيني وبين ذُرِّيَّتك، قُم عند الميزان، فانظُر ما رُفع إليك مِن أعمالهم .. » (٢)، و «إنَّما خُصَّ بذلك آدم لكونِه والدَ الجميع، ولكونِه كان قد عَرَف أهلَ السَّعادة مِن أهل الشَّقاء، فقد رآه النَّبي صلى الله عليه وسلم ليلةَ الإسراءِ، وعن يَمينِه أَسوِدةٌ، وعن شمالِه أسودة .. الحديث» (٣).

وقيل: أنَّ الحديث يَدلُّ على أنَّ بعْثَ النِّار هم الكُفَّار؛ للقطعِ بأنَّ بعضَ أُمَّتِه يدخل النَّار، ثم يخرجُ بشفاعتِه، وشفاعةِ سائرِ الشَّافعين (٤)؛ والكافرون الأصليُّون معلومٌ مُقدَّمًا مصيرهم مِن أوَّلِ البعثِ.

وأمَّا دعواه الثَّانية لنقض الحديث: زعم فيها أنَّه على فرض جوازِ هذا الإخراج للبَعثِ، فإنَّ آدم عليه السلام ليس أهلًا لهذه المُهمَّة، فإنَّه نسَّاءٌ ضعيفٌ، عصَى أوامر ربِّه!

وهذا منه سوء قالةٍ في أبينا النَّبي الكريمٍ، يُنبي عن خِفَّة تقديرِ قائِله لمقام النُّبوة، فآدمُ عليه السلام وإن زَلَّ في أكلِه مِن الشَّجرة، فإنَّه قد {اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: ١٢٢]، وقد قدَّمنا قريبًا سِرَّ اختيارِ آدمَ عليه السلام لهذا المَيْزِ.

وأمَّا دعواه الثَّالثة: في زعمِه أنَّ قول الصَّحابة فيه: «وأيُّنا ذلك الرَّجل؟ .. » فيه الفرض بأنَّ النَّاجي من الرَّجال فقط! واستغربَ (شحرورٌ) كيف يجعل النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديثِ كلَّ أهلِ الجَّنة مِن الرَّجال؟!


(١) «التوضيح» لابن الملقن (١٩/ ٣٤٧).
(٢) أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (٦/ ٣٨٢).
(٣) «المُفهم» للقرطبي (٣/ ٩٧).
(٤) «الكوثر الجاري» للكوراني (٦/ ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>