للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مُنتهى الغُبنِ في الرَّأي والرَّكاكةِ في الفهم! فإنَّ المُتقَرَّر عُرفًا لَغويًّا سائرًا على ألسنةِ العرب، وأصلًا في عبارةِ الشَّرع: أنَّ لفظَ (الرِّجال) في الخطابِ، داخلٌ فيه جنسُ النِّساء بالتَّبَع، وهذا في آياتٍ كثيرةٍ من القرآن، يُطلق لفظ الرِّجال، ويُقصد به النِّساء أيضًا، كما في قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٢٣].

فمُراد العبارة في الحديث: الواحد منهم مُطلقًا، بدليل الرِّواية الأخرى للحديث: « .. قالوا: يا رسول الله، وأيُّنا ذلك الواحد؟» (١)، أي: وأيُّنا مِن أمَّةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم ذلك النَّاجي المُفلح مِن بين سائرِ بني آدم.

فإذا عَرِي عقلُ (شحرورٍ) عن تفهُّم العربيِّ البيِّن، فأنَّا له التَّعرضُّ لِما دقَّ فهمُه من الأحاديث الَّتي اعتاصَ عن فهمِها بالإبطالِ؟!

لكنَّه مع ذلك، أبى إلَّا العُدوانَ بعدُ على:

المثال الثَّاني:

وهو ما أخرجه الشَّيخانِ مِن حديث عمران بن حُصين وابن عبَّاس رضي الله عنهم يرفعانه: « .. واطَّلعتُ في النَّار، فرأيتُ أكثرَ أهلها النِّساء» (٢)، حيث سَفَّه عقلَ مَن وَضع هذا الحديث بزعمِه، بدعوى أنَّ مُقتضاه مع الحديث السَّابق: أنَّ النِّساء يُمثِّلن ثُلُثَي أهلِ النَّار، والثُّلثُ الباقي رجالٌ، أي أنَّ مع كلِّ رجلٍ يدخلُ النَّار امرأتين! (٣)

ولستُ أدري لساعتي هذه كيفَ بَلَغ (شحرورٌ) هذا الاكتشافِ الَّذي لم ينطق به الحديث، ولا هو مفهومٌ منه، ولا خَطَر على قلبِ بَشرٍ؟! ولكن ما يُريد إلَّا نبزَ الحديث بعلَّة إجحافِه في حقِّ النِّساء!


(١) أخرجه البخاري في (ك: أحاديث الأنبياء، باب: قصة يأجوج ومأجوج، رقم: ٣٣٤٨).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم: ٣٢٤١)، ومسلم في (ك: الرقاق، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء، رقم: ٢٧٣٧).
(٣) «نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي» (ص/١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>