للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (البنَّا) وإن كان مُخالفًا للقرآنيِّين في أصل موقِفِهم الرَّافض للسُّنة جملةً - إلَاّ أنَّه يجانِسهم في نِتاجِ تَقريراته، ولوازِمها مِن حيث الواقع العمليِّ، بل ترى اتِّساقًا كبيرًا لرؤيته الفكريَّة المتعلِّقة بأفرادِ الأدلَّة الشَّرعيَّة النقليَّة، وبين ما يراه الحداثيُّون في تاريخيَّتها وإعادةِ تشكيلِها بما يأتلف والحضارة الغربيَّة الحديثة.

ترى شاهدَ هذا في تأكيدِه على «أنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم والخلفاءَ الرَّاشدين والصَّحابة أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السُّنن مِن أحكام» (١).

فهو على هذا لا يَعُدُّ السُّنة النَّبويَّة مَكينةً في التَّشريع الإسلاميِّ، بل يأتي في مُقدِّمة ذلك العقلُ! ثمَّ مَقاصد القرآن وقِيَمُه ثانيًا، ثمَّ السُّنة بعدهما (٢).

وقد بَلَغ الحال بـ (البنَّا) في تحريفِ الشَّريعةِ دركةً ليس وراءَها مُطَّلَع لناظرٍ، ولا تحتها مهوىً لخِسَّة، فقد كان ينكر فرضَ الحجابِ على النِّساء، وحَدَّ الرِّدة عن الإسلام، بل كان يُبيح التَّدخينَ للصَّائم في رمضان! إلى غيرِ ذلك مِن بوائقه الَّتي كثرُت، ولواذِعِه الَّتي اشتدَّت في حقِّ السُنَّة، حتَّى صُدِّرت جَهالاته عبرَ مَنابر الإعلامِ العَلمانيِّ بلا رقيبٍ.

لقد ركب (البنَّا) المُعمَّهَ في أمرٍ عَسِرٍ، تظاهر فيه ببراءةِ قصدِه مِن شَيْنِ الأحاديث ورُواتها، ولعلَّه كان مُستشعِرًا في قرارةِ نفسه لهَوْلِ ما كان يُقدِم عليه مِن اقتحامِ سِياجِ الشَّريعة بغير إذنٍ؛ تَلْمَسُ شيئًا من هذا الشُّعور في تَقدِمَتِه لعُدوانِه على أحكامِ السُّنةِ في كتابه «السُنة ودروها في الفقه الجديد» بقولِه: «يكاد فؤادي يَطير فزعًا مِمَّا أبوح به، لكنِّي مُضطَرٌّ إلى البَوْح نُصحًا، مُتَمنِّيًا -بكلِّ الصِّدق والإخلاص- أن أكون مُخطِئًا، فمَن كان ذا طِبٍّ، ويراني عَليلًا، فدونه فليُطبِّبني .. » (٣).


(١) «السُّنة ودورها في الفقه الجديد» (ص/٢٠٢، ٢٥٢).
(٢) انظر كتابه «السنة ودورها في الفقه الجديد» (ص/١٥٥، ١٧٤).
(٣) «السُنة ودروها في الفقه الجديد» لجمال البنا (ص/٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>