للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الأوَّل: عدم اعتبارِ (البنَّا) للسُّنةِ القوليَّةِ، أصلٌ في نَظرتِه النَّقديَّةِ لأحاديث السُّنة.

أوَّل ما ينبغي معرفته من موقف (جمال البنَّا) من السُّنة، أنَّه لا يَعتبرُ منها إلَّا العَمليَّةَ دون القوليَّة، فالحُجَّة عنده محصورة في أفعالِه صلى الله عليه وسلم وسِيرته العمليَّة المُتناقلةِ (١)، وذلك أنَّه يَفهم مِن مَعناها اللُّغويَّ «الدَّأبَ، والمنهجَ، والطَّريقة، أي أنَّها عَملُ الرَّسول، وليس قولَه» (٢).

فهو لأجل ذلك يُخرج القوليَّة والتَّقريريَّة من مُسمَّى «السُّنة» المأمورِ باتِّباعها، ويجعلُ أكثرَ المَنقولِ في هذين النَّوعين مُختلقًا أو مَشكوكًا في صِحَّتِه، سعى هو إلى البرهنةِ إلى ذلك ببيانِ ما يراه زَيفَ متونِ كثيرٍ من الصِّحاحِ عند أهل السُّنة.

وذاك الموقف منه أصلٌ عند الحَداثِيِّين يُدندنون عليه كثيرًا، لأجله نَرى بعضَهم يمهِّد بين يدي طعنه في أحاديث الصحيحين بنَفْيِ الوَحيِ عن هذه السُّنَن القوليَّة (٣)!

وأصل تأثَّر (البنَّا) بهذا الأصلِ البِدعيِّ كتاباتُ (محمَّد رشيد رضا)، مُقدَّمِ أربابِ هذا المسلكِ في تشطيرِ السُّنةِ، وذلك في ما قرأه له من مقالاتٍ قديمةٍ مَبثوثةٍ في أولياتِ مجلَّتِه «المنار» (٤)؛ وقد تَبنَّى هذا الرَّأيَ عنه فِئامٌ مِن ذوي النَّزعة العقليَّة بعده، قلَّةٌ منهم مُشتغلٌ بالعلومِ الشَّرعيَّة، كحالِ (محمود أبو ريَّة) (٥)، و (محمود شَلتوت).

عَقَد هذا بابًا كاملًا في كتابِه «الإسلام عقيدةٌ وشريعةٌ» في نُصرة هذا المَسلك، بل أضافَ مِن القيودِ على معنى السُّنةِ ما تجاوزَ به شرطَ (رشيد رضا)،


(١) «السُّنة ودورها في الفقه الجديد» لجمال البنا (ص/١١).
(٢) «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» (ص/٧).
(٣) كما فعل زكريا أوزون في «جناية البخاري» (ص/١٤).
(٤) مقالاته هذه في «مجلة المنار» (١٠/ ٨٤٩).
(٥) «أضواء على السنة المحمدية» لمحمد أبو رية (ص/٣٧٩ - ٣٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>