للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن تتَّصف بالتَّواترِ العمليِّ والاطِّراد المعروفِ عند الكافَّة (١)! ووافقه على اشتراطِه هذا (سليمان النَّدوي) (٢)، مُتوسِّعًا فيما يَراه صالحًا للتَّمثيلِ لها (٣).

فأيُّ غرابة بعدُ في أن تَتَواطأ كلمات الحَداثيِّين على تَبنِّي هذا القولِ والتَّطبيل له (٤)؟! وبِه يخلو لهم الجوُّ في مَقامِ التَّشريعاتِ لإسقاطِ شَطرٍ كبيرٍ مِن أثقالِ السُّنة عن ظهورِهم، بل هي السَّبب عندهم «في تحنيطِ الإسلام، وأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم وصحابتَه لم يعرفوا السُّنةَ بهذا الشَّكل» (٥).

الفرع الثَّاني: نقض مسلكِ (البنَّا) في اعتبارِ السُّنة العمليَّة دون القوليَّة.

ويتبيَّنُ وجه بطلان تقسيم (البنَّا) للسُّنة من حيث الحجيَّة مِن عدَّةِ وجوه:

الأوَّل: أنَّ هذا التَّقسيم بهذا الاعتبار لم يَقُل به أحَدٌ مِن سَلفِ الأمَّة أو مُتأخِّريها، قد أصابَ المعلِّمي في نعتِه لهذا القولِ بأنَّه «اصطلاحٌ مُحدَث، لا يخفى بُطلانه» (٦).

الثَّاني: نفي هؤلاءِ لحجيَّة السُّنة القوليَّة نتيجة لمقدِّمة لغويَّةٍ خاطئة، حيث إنَّ دَلالة السُّنة في لُغة العربِ أوسعُ مِن مُجرَّدِ قصرِها على السِّيرةِ العَمليَّة، فإنَّها في وضعهِم الأوَّلِ دالَّةٌ على معاني أخرى، منها: السِّيرة والطَّريقة (٧)، والإمام المُتَّبَع (٨)، ولا شَكَّ أنَّ هذه المعاني شاملةٌ في مَدلولاتِها اللُّغوية للأقوالِ والأفعالِ.


(١) «الإسلام عقيدة وشريعة» لمحمود شلتوت (ص/٤٨٠ - ٤٩١).
(٢) نسبةً إلى دار النَّدوة بالهند، صاحب اطِّلاع على الحديث والتَّاريخ، له تصانيف باللُّغة العربية والأرديَّة، عُين رئيسا لجمعية علماء الإسلام بكَراتشي، توفي سنة (١٩٥٣ م)، انظر «الأعلام» للزركلي (٣/ ١٣٧).
(٣) انظر مقاله المُترجم: (تحقيق معنى السُّنة وبيان الحاجة إليها)، المنشور في «مجلة المنار» (٣٠/ ٦٧٣).
(٤) انظر نماذج من نصوصهم في تبني هذا المسلك في «الاتجاهات المعاصرة في دراسة السنة النبوية في مصر وبلاد السام» لمحمد عبد الرزاق أسود (ص/٥٩٠ - ٥٩١).
(٥) «الكتاب والقرآن» لمحمد شحرور (ص/٥٤٦).
(٦) «الأنوار الكاشفة» (ص/٥٨).
(٧) انظر «لسان العرب» (١٣/ ٢٢٦) مادة: س ن ن.
(٨) «جامع البيان» للطبري (٦/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>