للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل نزيد أن نقرِّر هنا: أنَّ الاتِّباعَ كما يكون في العمل والطَّريقة، فهو كائنٌ في الأمرِ والنَّهي من باب أوْلى.

فإذا كانت السُّنة هي الخُطَّة والطَّريقة، فلا شَكَّ أنَّ الخطَّة يكون أصلُها القول، والطَّريقُ والطَّريقة والسَّبيل مَعناها واحد، وقد قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: ١٠٨]، والدُّعاء قَول، وقد سَمَّاه سبيلًا (١).

الثَّالث: أنَّ أقواله صلى الله عليه وسلم أدلُّ على الحكمِ الشَّرعي مِن أفعالِه، على ما قرَّره جمهور الأصوليِّين (٢)، فأفعالُه الجبليَّة لا قُدوة فيها، ولا تَدلُّ على أكثرِ مِن الإباحة، وكذا ما اختصَّ به من الأفعال؛ وهذا لا يُتأتَّى في أقوالِه، فعليه قَدَّموا قوله صلى الله عليه وسلم على فعلِه عند التَّعارض (٣).

الرَّابع: القول بهذا التَّقسيم المُحدَث للسُّنة يقتضي ردَّ آلاف الأحاديث الَّتي نَقَلها الصَّحابة والتَّابعون رضي الله عنهم، وأئمَّة الدِّين عنه صلى الله عليه وسلم في جميع الأبواب الشَّرعيَّة (٤)، مِمَّا يقتضي رَدَّ أكثر السُّننِ الفِعليَّة نفسها! «بل لا يبعد إذا قلنا كلَّها، لأنَّه ما مِن فعلٍ نُقل إلينا مِن تلك، إلَّا وقد اختُلف في هيآته وأحكامِه المقوِّمة لحقيقتِه، والمسلمون النَّاقلون لِتِلكَ الأعمال، إنَّما كان مُستنَد اختلافهم في ذلك: إمَّا السُّنَن القوليَّة، وإمَّا اجتهاد مَن يتأتَّى له الاجتهاد منهم، فإذا لم يجِب أن تكون سُنن الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم القوليَّة مِن الدِّين، فلَأن لا تكون مجهودات غيرِه مِن الدِّين أولى وأحرى!» (٥).


(١) «مجلة المنار» (١٢/ ٥٢١)، وانظر «موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية» (١/ ٢٨)، و «موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي» (ص/٦٨ - ٧٠) فقد نقل فيه مؤلفه سبعة عشر قولا من أقوال أهل العلم المتقدِّمين تدلُّ على إطلاق السُّنة على أقواله وأفعاله وتقريراته.
(٢) «أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالها على الأحكام الشرعية» لمحمد سليمان الأشقر (١/ ٥٥ - ٥٧).
(٣) «شرح الكوكب المنير» لابن النجار (٤/ ٦٥٦).
(٤) «دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين» لمحمد أبو شهبة (ص/٢٧٦).
(٥) من ردِّ الشيخ صالح اليافعي على توفيق صدقي، انظر «مجلة المنار» (١١/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>