للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلأجل ذلك نقول: أنَّ السُّنة القوليَّة لو لم تكُن حُجَّةً في دينِ الله تعالى، لَما بذل العلماء المُستأمنون على الشَّرع جهودَهم وأوقاتَهم في تدوينِها، بل ولا أَذِن النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك لبعضِ أصحابه أصلًا! ولكان أوَّل مَن يُنبِّه أمَّتَه على خطورة ذلك كي يحذروه (١).

الفرع الثَّالث: كتاب «تجريد البخاريِّ ومسلمٍ» التَّطبيق العَمليُّ لقناعات (البنَّا) تُجاه مُدوَّنات الحديث.

إذا مَحَصَّنا النَّظرَ في طبيعةِ المؤلَّفات الَّتي خصَّصها (البنَّا) لموضوعِ السُّنة ومُدوَّناتها، أخصُّ منها كتابَه «السُّنة ودورها في الفقه الجديد»، وكتابَه الآخرَ «الأصلان العظيمان: الكتاب والسُّنة»، سنجدُ كتابَه المتأخِّر عنهما «تجريد البخاريِّ ومسلم من الأحاديث الَّتي لا تلزم» هو الميدان التَّطبيقيَّ لما أسلف تنظيرُه وتأصيله في الأوَّلَين؛ غرضُه منه «أنْ يُنقل القارئَ من عالمِ البخاريِّ المُقدَّسِ، كأصدقِ كتابٍ بعد كتابِ الله تعالى، إلى تجريدِه مِن مئاتِ الأحاديثِ .. فالكتاب جديدٌ، ويمكن أن يكون صادِمًا للكثير!» كما يقول (٢).

وهو حقًّا صادمٌ لذوي الفِطَر السَّليمة، والعقول المستقيمة، كيف وقد استهلَّه بقارعتين: بكذبةٍ حمقاء، وسرقةٍ خرقاء.

فأمَّا الحمقاء: فعَزوُه أوَّلَ كتابِه إلى البخاريِّ إخراجَ حديث «الغرانيق»! وأنَّه ضمنَ جملةٍ أخرى مِن الأحاديثِ الَّتي أساءَت إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ وجوده في «الصَّحيح» ممَّا دَعاه إلى تأليف هذا الكتاب، تبرءةً لعِرضِ النَّبي صلى الله عليه وسلم كما زعم (٣).

والبخاريُّ بَريءٌ مِن تصحيحِ هذا الحديثِ المُنكَر، و «صحيحُه» خالٍ من هذه الفِرية.


(١) انظر «تدوين السنة النبوية، نشأته وتطوره» لـ د. محمد مطر الزهراني (ص/٧٤).
(٢) «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» (ص/١٥).
(٣) «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» (ص/٤ - ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>