للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقالاتِ العقلانيَّةِ القديمةِ؛ ثمَّ أحكمَ صبغها بما يَتوافق والرُّوحَ العصريَّة الجديدةَ مَن جاء بعده مِن تلاميذِه بمِصر، أخصُّ بالذِّكرِ منهم مُريدَه (محمَّد عبده)، حيث سَنُّوا لمدرستِهم دستورًا مُستحدَثًا أُعطِي فيه سلاحُ العقلِ أكثرَ مِن حدِّه.

فلقد أعلنَها (محمَّد عبدُه) صُراحًا مِن غير مواربةٍ بما كان يُشنِّعُ به أهلُ العلم قديمًا على أهل الكلامِ، من أنَّه: «إذا تَعارَضَ العقلُ والنَّقلُ، أُخِذَ بما دَلَّ عليه العَقل» (١)؛ وبهذا أجهزوا على عدد غير قليل من النُّصوص الحديثيَّة، وضيَّقوا مِن حَيِّز الغَيْبيَّاتِ في أبوابِ الاعتقاد، وأنكروا ما تتَابع المسلمون على تصديقِه مِن جليلِ المُعجِزات (٢).

يقول (محمَّد عبده): «المُطالبةُ بالإيمانِ بالله ووحدانيتِه، لا يعتمد على شيءٍ سِوى الدَّليل العقليِّ، والفكر الإنسانيِّ، الَّذي يجري على نظامِه الفطريِّ، فلا يُدهشك بخارقٍ للعادة، ولا يَغشى بصَرَك بأطوارٍ غيرِ مُعتادةٍ، ولا يُخرس لسانَك بقارعةٍ سماويَّة، ولا يقطعُ حركةَ فِكرِك بصيحةٍ إلهيَّة» (٣).

فحول هذا المأخِذ الَّذي يقرره (عبدُه) قد دَنْدَنَ (حسن حنفي) كثيرًا في مؤلَّفاته، فتراه يضرِبُ في حديدٍ باردٍ حين يسألُ مُستنكِرًا: «هل تُؤدِّي المعجزةُ إلى تصديقِ الرَّسول؛ وهي برهانٌ خارِجيٌّ عن طريقِ القُدرة، وليس داخليًّا عن طريقِ اتِّفاقِها مع العقلِ، أو تَطابُقِها مع الواقع؟!» (٤).

وتماشيًا منهم مع هذه القناعة المجافية للتَّسليم الشَّرعي، ارتكبوا كلَّ عَسِرٍ لنفْيِ الآياتِ والبراهينِ الحِسِّية، ولَيِّ أعناقِ النُّصوص الَّتي تُثْبِتها؛ يظهر هذا أيضًا


(١) «الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية» لمحمد عبده (ص/٥٤ - ٥٩).
(٢) انظر «حوار هادئ مع الشيخ محمد الغزالي» لسلمان العودة (ص/١٠).
(٣) «الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية» (ص/٥٤ - ٥٩).
(٤) «من العقيدة إلى الثورة» لحسن حنفي (٤/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>