للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحجويُّ الفاسيُّ: «الشَّيخ محمَّد عبدُه رجل أدَبٍ، وليس رجلَ حديثٍ وفقهٍ، وهو رجلُ زَعامةٍ في السِّياسة، نعترفُ بفضلِه على بلادِه ونَفْعِها، فيما سِوى الفَنَّيْن المَذكوريْن» (١).

ولقد كان من عوامل انتشار أفكار (عبدُه) وتذليل مسلكه في الإصلاح ظروف سِياسيَّة وثقافيَّة خاصَّةٌ أحاطَت بالحالةِ الاجتماعيَّة في المَشرق العربيِّ آنذاك، فقد كان مُفتيَ الدِّيار المصريَّة، ومَن واجَه مُدراءَ جامعة الأزهرِ بضرورةِ إصلاح مَناهج التَّعليمِ فيها للارتقاءِ بشبيبةِ البلَد في سلالِم العلومِ ومُواكبة العصر.

فلقد فسَحَ له المُحتَلُّ البريطانيُّ مجالًا واسعًا للتَّصدُّر في ذلك، فكُتِب لمواقِفه التَّجديديَّة القَبول عند شريحةٍ عَريضةٍ مِن طبقاتِ النَّاس على اختلافِ تخصُّصاتِهم، وأخذَ كُلُّ شَغوفٍ بالتَّغييرِ يَتبنَّاها في مَقالاتِه وكتاباتِه، ويُنافحون عن رِجالاتِ مَدرَستِه إلى اليوم.

يَصِف المُستشرق الإنجليزي (جُب) هذا التَّأثير الخطيرَ لأفكارِ (محمَّد عبدُه) على السَّاحة الثَّقافية والفكريَّة وقته فيقول: «إنَّ عَظمةَ اسمِه قد ساهمَت في نشرِ أخبارٍ لم تكن تُنشَر مِن قبل! ثمَّ إنَّه قد أقامَ جِسرًا مِن فوق الهُوة السَّحيقةِ بين التَّعليم التقَّليدي، والتَّعليمِ العقليِّ المُستَورَد مِن أوربا، الأمر الَّذي مَهَّد للطَّالبِ المُسلمِ أن يَدرُس في الجامعاتِ الأوروبيَّة، دون خشيةٍ مِن مخالفةِ مُعتقدِه، وهكذا انفَرَجت مصرُ المسلمة بعد كبتٍ! فقد ساهمَ الشَّيخ محمَّد عبده أكثرَ مِن أيِّ شخصٍ آخرَ في خلقِ اتِّجاهٍ أدبيٍّ جديدٍ، في إطارِ الرُّوح الإسلاميَّة» (٢).

ويقول ألبرت حوراني (ت ١٤١٤ هـ) (٣):

«لقد تابعَ عَبدُه النَّهجَ الَّذي عهدناه لدى الطَّهطاوي وخير الدِّين والأفغانيِّ في التَّوحيد بين بعض المفاهيم التَّقليديَّة للفكر الإسلاميِّ، وبين الأفكار السَّائدة


(١) «الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام» للحجوي (ص/١٠٩).
(٢) «الاتجاهات الحديثة في الإسلام» لجُب (ص/٧٠).
(٣) ألبرت حبيب حوراني: مؤرِّخ إنكليزي من أصل لبناني، متخصص في تاريخ العرب والشَّرق، من أشهر مؤلفاته: تاريخ الشعوب العربية، والفكر العربي في عصر النهضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>