للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أوربا الحديثة .. ولا شكَّ أنَّه كان من السَّهل باتِّباع هذا النَّهج تحويرُ -إن لم نقُل إبطال! - المعنى الدَّقيق للمفاهيم الإسلاميَّة، وتناسي ما يميِّز الإِسلام عن غيره من الأديان، لا بل عن النَّظرة الإنسانيَّة اللَّادينيَّة! وهذا ما تنبَّه له بقلقٍ نُقَّاده المحافظون ..

لقد نوَى محمَّد عبدُه إقامةَ جدار ضدَّ العَلمانيَّة، فإذا به -في الحقيقة- يبني جسرًا تعبر العلمانيَّة عليه لتحتلَّ المواقع واحدًا بعد الآخر! وليس من الصُّدفة أن يَستخدم معتقداتَه فريقٌ من أتباعه في سبيل إقامة العَلمانيَّة الكاملة ..

لقد رضي عبدُه بالتَّعاون مع البريطانيِّين -مع أنَّهم كانوا أجانب لا مسلمين- شرطَ أن يساعدوا في العمل من أجل التَّربية الوطنيَّة، وشرطَ أن يكون بقاؤهم مؤقَّتًا؛ وكان على صلةٍ طيِّبةٍ بـ (كرومِر) -المندوب البريطانيِّ على مصر- مع أنَّه لم يكن يحبُّ سائر الرَّسميِّين البريطانيِّين؛ فقد كتب (كرومر) عنه وعن رفاقه قائلًا: (بأنَّهم الخلفاء الطَّبيعيُّون للمُصلح الأوروبيِّ)! ولذلك أيَّده عندما أراد الخديوي عزلَه من منصب الفتوى» (١).

ولقد أسالَ الحديثُ عن مدرسة عبدُه الحديثة -بمُؤسِّسِيها ومَناهجها- مِدادَ المَحابر سيْلَ العَرِم! لكثرةِ ما خَرَّجت مِن كُتَّابٍ وأدباء ومُفكِّرين، تركوا آثارًا بليغةً على السَّاحةِ العلميَّة والفكريَّة والثَّقافيَّة الإسلاميَّة المعاصرة؛ إمَّا تَتلمذوا على شيوخِها مواجهةً، أو عن طريقِ مُؤلَّفاتهم.

كان مِن هؤلاءِ سِياسيُّون: كسعد زَغلول (ت ١٣٤٦ هـ) (٢)، على زَيغِه بعدُ إلى العَلمانيَّة، واقترافِ بوائقَ في بعضِ مُمارَساتِها (٣)؛ وكُتَّابٌ أدباء: كقاسم


(١) «الفكر العربي في عصر النهضة» لألبرت حوراني (ص/١٧٩، ١٩٥).
(٢) انظر ترجمته في «الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة» لمحمد كامل الفقي (٢/ ٥٠).
(٣) انظر شيئًا من ذلك في «رجال اختلف فيهم الرَّأي» لأنور الجندي (ص/٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>