النَّاس تُجاه فُقهائِهم، فيَكسروا مِن حِدَّة اندِفاعهم في نقض كثير من الأصول والنُّصوص الشَّرعية.
الأمر الَّذي أحدث في نفس المستشرقِ «هامِلتون جُب» حسرةً على انحباس مفعول هذه المدرسة وفواتِ أغراضِهم مِن انكماشِها، كما تراه في قوله:«لسوءِ الحظِّ: ظلَّ قسم كبيرٌ من المسلمين المحافظين .. لا يخضعون لهذه الحركات الإصلاحيَّة، وينظرون إلى الحركة الَّتي تزعَّمتها مدرسة محمَّد عبده بمصرَ نظرةً كلُّها ريبة وسوء ظنٍّ! لا تقِلُّ عن ريبتِهم في الثَّقافةِ الأوربيَّة نفسِها!»(١).
لكنِّي مع ذلك أقول: ليتَ العلماءَ المحافظين وقتَها -وبعدها- اعتبرُوا الباعثَ لهذا التَّيار الإصلاحيَّ في الظُّهور، وما اكتنفته مَقالاتُهم مِن أفكار بديعةٍ نافعة، فيبْنُوا علي مِهادها مَشاريع إصلاحيَّة مُنَقَّحة، تَستفيدُ مِن اجتهاداتِ هذه المدرسة الرَّائدة إلى النَّهضة، وتَتَفادَى ما زَلَّت فيه مِن بعضِ مُخالفاتٍ لأصولٍ شرعيَّة.
فيكونوا بهذا قد خَدموا أمَّتَهم الخِدمة الَّتي يهفون إليها على وجهٍ أكملَ، بدَلَ قَصرِ الجهودِ -كما نراه اليوم- على مُجرَّد رُدودٍ لا تُعطي في ذاتها حَلًّا بديلًا لِما يعيشُه المسلمون -حُكَّامًا ومَحكومين- مِن إكراهاتٍ في واقعِهم.
والحمد لله على حِكمتِه في قضائِه وقَدَره.
(١) «إلى أين يتَّجه الإسلام» لجُب (ص/٦٩)، نقلًا عن «الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر» لمحمد محمد حسين (ص/٢١٣).