للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى لتوجُّهه الفقهيِّ غير المذهبيِّ؛ فكان يُثني على علم رشيد رضا، مع تحفُّظه على عقلانيَّته الَّتي اكتسبها من شيخِه عبدُه.

ولا شكَّ في كونِ هذا العَلَمِ الشَّاميِّ الشَّريفِ، وَريثَ المُؤَسِّسَين الأوَّلَيْين للنَّهضة الإصلاحِيَّة العِلميَّة -الأفغانيِّ وعبدُه-، إذْ كان بحَقٍّ ناشرَ أفكارِهما، ومُروِّجَ آرائِهما، حتَّى جعله أستاذُه عبدُه «تُرجمان أفكاره» (١).

ومع كون رشيدٍ مُعجبًا بفكرهما، تلميذًا في مدرستهما، إلَّا أنَّه فاقَهما في الأخذِ بزِمامِ بعضِ العلومِ الشَّرعيَّة الَّتي ضَعُفا فيها، كعلمِ الحديث ومعرفةِ مُصنَّفاتِه، مع اطِّلاعٍ منه واسعٍ على المُستجدَّات السِّياسيَّة، والمُحدَثات التَّقنيَّة في عصرِه؛ فكان أن بلَغَ صيتُه الآفاق، وسُوِّدَت في مَديحِه الأوراق، حتَّى «فاقَت البحوثُ الَّتي كُتِبَت عنه ما كُتِب عن أُستاذِه عبُده عَدَدًا ومَوضوعًا» (٢).

و (رشيد رضا) لم يكُن ليَسلك هذا المسلكَ الجديدَ في الانفتاحِ على الثَّقافة الغَربيَّة إلَاّ بعد ارتوائه ممَّا كان ينشُره (الأفغانيُّ) و (عَبدُه) من مَقالاتٍ في مجلَّتهما «العُروة الوُثقى»، الصَّادرةِ وقتَها مِن عاصمةِ فَرنسا.

فكأنَّه حين تتابَعت قراءَته لها فَعَلت في نفسِه فِعلَ السِّحر! أدركَ بها أنَّه مع ما كان بَدَأ به دعوَته الإصلاحيَّةِ مِن حَثِّ النَّاسِ على التزامِ الشَّرعِ واجتنابِ المُنكرات، أن يرشدهم إلى الاستفادةِ مِن المَدنيَّة الحَديثةِ ومُنجَزاتها، بل مُباراتِهم في جميع مُقوِّمات الحياةِ المُعاصرة، والتَّرغيبِ في نَقلِ ما عند الإفرنجِ مِن علومٍ وقوانينَ لا تَتعارض مع الإسلام (٣).

ولأجلِ تحقيق هذا المَشروعِ الإصلاحيِّ الجديد، ترْجَم (رشيد) كلَّ تصوُّراتِه المُعدَّلة لبعثِ النَّهضةِ في الأمَّة في مَجلَّتِه «المَنار»، فصارت بمجرَّد صدورِ أعدادِها الأولى لسانَ كثير من المُفكِّرين السَّاعينَ إلى تَجديدِ الحياةِ العِلميَّةِ


(١) «مجلة المنار» (٣٥/ ٤٨٠).
(٢) «منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة» لتامر متولي (ص/٩٨).
(٣) «تاريخ الأستاذ الإمام» لرشيد رضا (١/ ٨٤ - ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>