للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسِّياسيَّةِ في تلك الحِقبة؛ وممَّا أولاه فيها عنايةً كبيرةً: قضايا التَّشريعِ الإسلاميِّ، ومَناهج الاستدلال، وسُبل التَّجديدِ فيها، والتَّنقيح في مَصادر التَّلقِّي.

ومِن أبرز ما تميَّز به (رشيد رضا) عن أكثرِ مُعاصريه: التَّطرُّق إلى قَضايا السُّنة النَّبوية، وإشكالاتِها المُعاصرة، أصدرَ في مجلَّتِه آراءً واختيارات مُتباينةً، فجاءت مَباحثُه فيها في قوالب شَتَّى وسِياقاتٍ مُختلفة، أصَلَّ في مَسائِلها وقَعَّد، ونَظَّر في دلائلِها وعَضَّد، بحسبِ الخلفيَّة الفكريَّة الَّتي اكتسبَها قبلُ مِن شيخِه (عبدُه).

فما لبثت أنْ صارَت آراءُه تلك مَثارَ جَدلٍ عَريضٍ في الأوساطِ المُثقَّفة والمُتشرِّعةِ، وفَتَحت مَجالًا واسعًا مِن المُوافقات والمُناقشاتِ والرُّدود، وذلك على امتدادِ خمسٍ وثلاثين سنةً، اتَّسَعَ صدرُ الشَّيخ لنشرِ بعضِها في مجلَّتِه نفسِها.

الفرع الثَّاني: موقف (رشيد رضا) مِن أحاديثِ السُّنةِ عمومًا.

قد سارَ (رشيدٌ) في الطَّورِ الأطولِ مِن حياتِه على وفقِ ما سارَ عليه كثيرٍ من المُتأخِّرين الأصوليِّين مِن القولِ بظنيَّةِ الآحادِ مُطلقًا، فأوجبوا العملِ بها في الفروع، ومَنعوا حُجِّيتها في مَسائل الاعتقاد القطعيَّة (١)؛ فكان أن أوغلَ لأجل ذلك في تَنصيبِ العقلِ حَكَمًا على الأحاديث في مَواضع مِن مجلَّتِه، مُتَعلِّلًا عند كلِّ قدحٍ في أحدها بجُملةٍ مِن الحُجَج الكَلاميَّة هي عينُها حُجَج شيخِه (عبدُه) (٢).

و (رشيدٌ) وإن كان دَندَن على ظنِّيَة الآحادِ مِرارًا في عددٍ مِن مَقالاتِه، إلَّا أنَّ اضطرابَه في ضبطِ المُرادِ بالظَّن المُستفاد منها كان واضِحًا لمن قابلَ بين كلامِه في هذه المسألة، اضطِرابًا يَصِل حَدَّ التَّناقض أحيانًا! ففي الوقتِ الَّذي نراه مُقِرًّا لترادُفِ الظَّن مع العلمِ في لغة العربِ، وأنَّه حُجَّة بذلك في الإيمان الشَّرعي، نَراه


(١) انظر «مجلة المنار» (٧/ ٣٦١).
(٢) انظر - مثلًا - مقال محمَّد عبده «الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية»، الَّذي نَشَره له رشيد رضا في «مجلَّة المنار» (١٣/ ٦١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>