للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مواضعَ أُخَرَ يَمنعُ الأخذَ به في بابِ الاعتقاد، مُستشهدًا في ذلك بالآيات الذَّامةِ للظَّن (١).

فلذا سَوَّغ لنفسِه رَدَّ بعضَ الصِّحاحِ عند أهلِ الحديث إذا استشكلَها أو لم يجِد لها فائدة، كأحاديث أشراطِ السَّاعة مثلًا، فإنَّ هذه وإن كانت في مَجموعِها تَلقَّتها الأمَّة بالقَبول، فإنَّ ذلك لم يمنعه مِن استنكارِها، وما الضَّيرُ في ذلك عنده مادامت غير قطعيَّة الثُّبوت!

فكان مِمَّا يقوله في هذا المقام: «اِعلَمْ أيَّها المسلم الَّذي يجبُ أن يكون على بصيرةٍ مِن دينِه، أنَّ في رواياتِ الفِتن وأشراطِ السَّاعة مِن المُشكلات والتَّعارض، ما ينبغي لك أن تعرفه ولو إجمالًا، حتَّى لا تكون مُقلِّدًا لمِن يظنُّون أنَّ كلَّ ما يعتمدُه أصحابُ النَّقل حقٌّ! ولا لِمن يظنُّون أنَّ كلَّ ما يقوله أصحابُ النَّظريات العقليَّة حقٌّ .. » (٢).

لقد كانَ بالإمكانِ حملُ هذا الاختلافِ مِن (رشيدٍ) على النَّسخِ وتَغيُّرِ القَناعات، كما كان حالُه مع الاحتجاجِ بالسُّنة القوليَّة آخر عمره، حيث كان يحصُر الاحتجاجِ فيها بالعَمليَّة فحسب، ثمَّ تركَ ذلك آخرَ عُمره (٣)؛


(١) انظر «آراء رشيد رضا في قضايا السنة النبوية» لمحمد رمضاني (ص/١٦٦).
(٢) «تفسير المنار» (٩/ ٤٠٧).
(٣) كما نقله مصطفى السِّباعي عنه شفاهًا في كتابه «السنة ومكانتها في التشريع» (ص/٣٠).
والسِّباعيُّ رجلٌ قد خَبَر رشيدًا وخالَطه، وعلِم من حاله ما جَعَله يؤكِّد أنَّه كان يقول بحجيَّة السُّنة القوليَّة في آخر عمرِه، وهذه شهادةُ من السِّباعي تُعزِّزها مقالات (رشيد رضا) في مجلته «المنار»؛ ولذا كان مِن خطايا الطَّاعنين في السُّنَن: استشهادهم على قُبحِ فِعالِهم ببعضِ مَقولاتٍ لرشيدٍ قديمة، مِن قبيلِ قوله مثلًا: «إنَّ ما وَرَد في عدم رغبة كبار الصَّحابة في التَّحديث، بل فى رغبتهم عنه، بل فى نهيهم عنه، قوَّى ترجيحَ كونِهم لم يُريدوا أنْ يجعلوا الأحاديثَ دينًا عامًا دائمًا كالقرآن»، كما في «مجلة المنار» (١٠/ ٧٦٨).

فترى (أبو ريَّة) في كتابه «الأضواء» (ص/٤٨ - ٥٠) ينقُل هذا الكلامَ، ويعتمده مذهبًا لرشيدٍ، ويُقرُّه على ذلك (جمال البنَّا) فى كتابِه «السُّنة ودورها فى الفقه الجديد» (ص/٢٢٥)؛ ولو بُعث رشيد رضا، لكان أوَّل مَن يَردُّ عليهما في أكثر مِن موضع مِن كتابيهما!

<<  <  ج: ص:  >  >>