للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان بالإمكانِ حَملُ الأمرِ على مثلِ هذا؛ لكنَّ قول رشيدٍ كان مُضطربًا في العَددِ الواحدِ مِن مجلَّتِه! فالله أعلم بمُرادِه.

والَّذي أحسبُ أنَّ شيخَه (عبدُه) أكثر توازنًا في موقِفه مِن مَفادِ الأخبارِ النَّبويَّة -مع خطأِه في ذلك- مِنه، حين اشترطَ اليقينَ المنطقيَّ للإيمان، فهو يَتَوافق مع مَوقفِه مِن خبرِ الآحاد (١).

الفرع الثَّالث: موقف (رشيد رضا) مِن أحاديث «الصَّحيحين».

النَّاظر في أعطافِ مجلَّتِه «المَنار» ومَطاوي تفسيرِه الجليل «تفسير المَنار»، يلحظُ تأثُّرَ رشيدٍ بالمُحيطِ الفكريِّ السَّائدِ حيث نَشَأ، وبما تَلقَّاه مِن مَفاهيم نقديَّةٍ مِن أستاذِه عبدُه خاصَّةً؛ يُرى هذا التَّأثُّر باديًا في نَظرتِه الإجماليَّةِ إلى أحاديثِ «الصَّحيحين»، فتَراه يتَّسِم بالإيجابيَّةِ في تَعاطيه معها تارةً، وبالسِّلبيَّةِ وضيقِ العَطنِ تارةً أخرى، مُقرًّا هو في كلِّ ذلك أنَّهما أصَحُّ دواوين السُّنةِ على الإطلاق، كما تراه في قولِه:

«لا شَكَّ في أنَّ أحاديث الجامع الصَّحيح للبخاريِّ -في جُملتها- أصَحُّ في صناعةِ الحديثِ وتَحرِّي الصَّحيح، مِن كلِّ ما جمُع في الدَّفاتِر مِن كُتب الحديث، ويَليه في ذلك صحيح مسلم؛ وممَّا لا شكَّ فيه أيضًا أنَّه يوجد في غيرهِما مِن دواوين السُّنة أحاديث أصَحُّ مِن بعض ما فيهما، وما رُوي مِن رفضِ البخاريِّ وغيره لمئاتِ الألوفِ مِن الأحاديث الَّتي كانت تُروَى، يُؤيِّد ذلك، فإنَّما نفوا ما نفوا لينتَقوا الصِّحاحَ الثَّابتة» (٢).

و (رشيدٌ) يُعلي مِن مَقامِ الشَّيخينِ في علمِ الرِّواية، ويجعَل قولَهما الأصلَ المُقَدَّم في تعليلِ الأحاديث وتوثيقِها عند الاختلافِ، بيَّن هذا في قوله: «مَن دَقَّق النَّظرَ في تاريخ رجالِ الصَّحيحين، ورواية الشَّيخين عن المَجروحين منهم، يَرى


(١) «موقف المدرسة العقلية الحديثة من الحديث النبوي» (ص/٢٦١).
(٢) «مجلة المنار» (٢٩/ ٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>