للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٣ - حديث إسلام شيطان النَّبي صلى الله عليه وسلم (١).

وسيأتي نقاشه في أكثرها في الباب الثالث من هذا البحث.

الفرع الخامس: الأصلُ الَّذي انبنَى عليه مَوقف (رشيد رضا) مِن أحاديثِ «الصَّحيحين».

إنَّ المتأمِّلَ في جملةِ أقوالِ (رشيدٍ) وتَصرُّفاتِه بأحاديث «الصَّحيحين» تحديدًا، يَلوح له نوعُ تناقضٍ في تعاطيه معها، بين ما قَدَّمناه عنه مِن تسليمِه بصحَّةِ القدرِ المُتَّفق عليه مِن أحاديثِهما، وبين طعنِه العَمليٍّ في بعضٍ مِن ذلك.

ولعلَّ في هذا ما يُنبِي النَّاظر في تطبيقاتِه عن نوعِ الصِّحةِ الَّتي يَعنِيها في كلامِه المُتمَدِّح للكِتابين: إنَّها الصِّحة الَّتي عَناها النَّووي في شرحِه لمُقدِّمة مسلمٍ، وهي أنَّ اتِّفاقَ الأئمَّةِ على تصحيحِ حديثٍ، لا تعني بالضَّرورة العِلمَ بنسبتِه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، لكن تعني الصِّحة الإسناديَّة الظَّاهرة؛ أمَّا المتنَ فشأنٌ آخر، يتَّسع فيه المجال للنَّظر والتَّمحيص المُتجدِّد، بل للردِّ والتَّعليل ولو اتَّفَق الأسبقون على صِحَّةِ نقلِه! كما تراه -مثلًا- في ردِّ (رشيد) لأحاديث الآياتٍ الحِسِيَّةٍ للنَّبي صلى الله عليه وسلم (٢)، مع اتِّفاقِ الأئمَّة على تَصحيحِها، وكنعتِه لبعضِ الأخبارِ الدالَّةِ فيهما على تفضيلِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم على الأنبياءِ -منها حديث: «أنا سَيِّد النَّاس يوم القيامة .. » (٣) بأنَّها «لا تُفيد اليقين» (٤).

ومِن ثَمَّ، فلا يَضرُّ عنده إنكارُ مثلِها لمِن لم يَقبل مَخْبَرَها، تفريعًا عن أصلِ مذهبِه الَّذي كان قد تَبِع فيه أستاذَه (عَبدُه) من اطِّراح أخبارِ الآحاد وإن كانت مِن روايةِ الثِّقات، إذا ظهَر له منها مخالفةٌ للقرآن أو المَعقول (٥).


(١) «تفسير المنار» (٣/ ٢٤٠).
(٢) انظر «مجلة المنار» (٧/ ٣٦١).
(٣) أخرجه البخاري في (ك: تفسير القرآن، باب: قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}، رقم: ٤٧١٢)، ومسلم (ك: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم: ١٩٤).
(٤) انظر «مجلة المنار» (٤/ ١٧٧).
(٥) قد أقرَّ رشيد رضا بهذه التَّبَعيَّة لعبدُه في مجلته «المنار» (٨/ ٧٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>