للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان لازم هذا عند (رشيد): جوازُ توسيعِ دائرةِ المَنقوضِ مِن أحاديث «الصَّحيحين» وردِّ ما اتُّفق منها على صِحَّته، هذا ما أعربَ عنه بقولِه:

«ما مِن إمامٍ مِن أئمَّة الفقه، إلَّا وهو مخالفٌ لكثيرٍ منها -يعني أحاديثَ الصَّحيحين-، فإذا جازَ رَدُّ الرِّوايةِ الَّتي صَحَّ سندُها في صلاةِ الكسوف لمُخالفتِها لمِا جَرَى عليه العَملُ، وجازَ رَدُّ روايةِ خلقِ الله التُّربة يوم السَّبت .. إلخ، لمُخالفتها للآياتِ النَّاطقةِ بخلقِ السَّمواتِ والأرضِ في ستَّة أيَّام، وللرِّواياتِ المُوافقة لذلك: فأَوْلى وأظهرُ أن يجوز رَدُّ الرِّواياتِ الَّتي تُتَّخَذ شبهةً على القرآن مِن حيث حفظُه، وضبطُه، وعدمُ ضياعِ شيءٍ منه! كالرِّواياتِ في نسخِ التِّلاوة، لا سيما لمِن لم يجِد لها تخريجًا يدفعُ الشُّبهة، كالدُّكتور محمَّد توفيق صدقي وأمثاله كثيرون .. » (١).

ثمَّ مَثَّل لهذا التَّأصيلِ بحديثِ سحرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وحديثِ سجودِ الشَّمس عند العرش.

وجملة القول في موقف رشيدٍ مِن أحاديث «الصَّحيحين»، أنَّ الخلل الحاصل في رَدِّه لما ردَّ منها مع اتِّفاق العلماء على صِحَّتها، يحتملُ نتاجه عن ظَنَّين:

أمَّا الأوَّل: فظَنُّه أنَّ اتِّفاقَ الأئمَّة على تصحيحِ حديثٍ لا يُفيد ذلك إلَّا الرُّجحان في نسبتِه، وبالتَّالي فجائزٌ ردُّ هذا المَظنون إذا تَعارَض مع ما يَراه قطعيًّا.

فإن كان هذا هو اعتقاد (رشيد) حَقًّا، فقد خالف به ما تَتابع عليه جمهور المُحقِّقين من أهل العلم مِن اعتبارِ اتِّفاقِ الأئمَّة على تصحيحِ الحديث، قرينةً ترتقي بالمُصَحَّح من الأخبارِ إلى درجةِ العلمِ المُكتَسب بنِسبتِه.

ذلك أنَّ نُقَّادَ الحديثِ إذا أطبقوا على تصحيحِ روايةٍ ونِسبتِها إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، هو بمثابةِ إطباقِ الفقهاءِ على تصحيحِ حكمٍ فرعيٍّ ونِسبتِه إلى الشَّارع سَواء بسواء؛


(١) «مجلة المنار» (١٢/ ٦٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>