للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمثلُ هذا الموقفِ القويمِ مِن (رشيد رضا) لا بُدَّ أنَّه تَأثَّر فيه بأبحاثِ بعضِ المُحقِّقين مِن علماءِ السُّنة، كابنِ تيميَّة وتلميذِه ابن القيِّم، فيما تَيسَّر له الاطِّلاع عليه مِن كُتبهِما وقتَه، لا سِيما مَعْلَمة ابنِ تيميَّة «درء تَعارض العقلِ والنَّقل»؛ وهو ما أقرَّ به لهما، اعترافًا منه بالحقِّ وردًّا للجميل بقوله: «أنا أشهدُ على نفسي، أنَّني لم يطمئنَّ قلبي لمذهبِ السَّلف، إلَّا بقراءةِ كُتبِهما .. » (١).

وهو مع هذا التَّحوُّل المَنهجيِّ الفريدِ في آخرِ حياتِه، من الطَّبيعيِّ ألَّا يَتخلَّص مِن كلِّ رواسبِ المَفاهيمِ الرَّاكدةِ في ذهنِه، ولا مِن بعضِ مَواقِفه تُجاه بعضِ النُّصوص؛ كيف وقد كان لأفكارِ (الأفغانيِّ) وأستاذِه (عبدُه) عظيمُ الأثرِ في تصوُّراتِه حالَ طراوةِ شبيبَتِه؛ وهذا ما تلمَّسه تلميذُه (أحمد شاكر) في شخصيَّته الفكريَّةِ في معرضِ ردِّه على إنكارِه لحديثٍ: « .. أستاذنا محمَّد رشيد رضا، على علمِه وفقهِه، لم يستطِع قَطُّ أن يُقيم حُجَّته على ما يَرى، وأفلتَت منه كلماتٌ يَسمو على علمِه أن يَقَع فيها، ولكنَّه كان مُتأثرًا أشدَّ الأثرِ بجمالِ الدِّين الأفغاني ومحمَّد عبدُه، وهما لا يَعرفان في الحديثِ شيئًا، بل كان هو بعد ذلك أعلمَ منهما، وأعلى قَدَمًا، وأثبتَ رأيًا، لولا الأثرُ الباقي دخيلةَ نفسِه» (٢).

والله يغفرُ لنا ولهم أجمعين.


(١) «مجلة المنار» (٣٣/ ٦٧٠).
(٢) حاشية «مسند الإمام أحمد» بتخريج الشيخ أحمد شاكر (٦/ ٥٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>