للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي أسئلةٌ جَليلةُ المَغزى، تزايَدت جيلَ السَّبعيناتِ والثَّمانيناتِ مِن القرنِ الماضي، هَمُّها تَطلُّبُ قيامِ أمَّةِ الإسلامِ مِن جديدٍ، وغَمُّها جَهْلُها بحقيقةِ دينِها، والعَجزُ عن تقريبِه للنَّاسِ مِن بعيد؛ فتواردت الأجوبة عليها مُتعَدِّدة المَشارِب والأغراض، كلٌّ يُدْلي بدَلوِه في بئرِ الدِّين، ويَقطِفُ عَقْلُه مِن أشجارِ الفِكر، يبتغي جوابًا يَزعُمه شِفاءً لأدواءِ الدَّولةِ والمُجتَمع.

فأمَّا أن يكون هذا المُتجشِّم للجواب فقيهًا في الدِّين، مُتمَرِّسًا في الدَّعوة، خطيبًا مُفَوَّهًا -كحال (محمَّد الغزالي) - فإنَّ جوابه يكون أدعى أن يُقبَل مِن العقول، وأسرعَ إلى أن يَنفُذَ في الوِجدان؛ فإذا زادَ على ما سَلَف انتظامَه في سِلكِ حَركةٍ إصلاحيَّةٍ مُبرَّزةٍ: فذاك الَّذي تَشرئِبُّ أعناقُ العالَمينَ إليه تَلقُّفًا لقولِه، أكانَ الواحدُ منهم مُوالِيًا، أو خصمًا له مُعاديًّا.

لقد استشعرَ (الغزالي) مُبكِّرًا -وهو أحد تلاميذ مجلَّة المنار وشيخها رشيد رضا (١) - قَدْرَ المَسئوليَّة المُلقاةِ على كاهلِه لتبصيرِ المسلمينَ إلى سبيلِ نَجاتِهم، وإنقاذِ شَبابِهم مِن الضَّلالِ في عَقائدهم وأخلاقِهم وتَصوُّراتِهم للحياة، مُشفِقًا مِن حجمِ الأسئلةِ التَّي تُثارُ لديهم على مَوائد الِحوارِ، وعلى أبوابِ المَساجِد، وعلى مَوجاتِ الأثيرِ؛ لا يَسمعُ في رَدِّها إلَّا خشيبَ الكلامِ، وعقيمَ الأفكارِ!

فتسمع له صوت الأبِ الحَنون يُخاطب الحَيْرى من أبناء أُمَّته فيقول: «قلبي مع شبابِ الصَّحوةِ الإسلاميَّةِ، الَّذين عملوا الكثيرَ للإسلامِ، ويُنتظَر منهم أن يَعملوا الأكثرَ» (٢).

لقد شمَّر (الغزاليُّ) عن ساعد الجدِّ لينثر تَصوُّراتِه للنَّهضةِ في عَديدٍ مِن مُؤلَّفاته، لم يُثنه عن غايته النَّبيلة الشَّاقة إغراء سلطانٍ ولا بهرج مال، مُحاولًا بإجاباتِه سَدَّ ما يَراه خَللًا في تَصوُّراتِ الأجيالِ المُتلاحقة للدِّين والحياة؛ داعيًا الشَّبابَ المُقبل على الإسلامِ ألَّا يُضَخِّمَ المسائلَ الفرعيَّة فيجعَلوها ركائزَ أصلِيَّةً


(١) كما صرح بذلك في كتابه «علل وأدوية» (ص/٧١).
(٢) «السُّنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>