ويُؤسِفني أنَّ بعضَ المَنسوبين إلى هذه الصَّحوة فشَل في تحقيقِ الأمرَين جميعًا، بل رُبَّما نَجَح في إخافةِ النَّاسِ مِن الإسلامِ، ومَكَّن خصومَه مِن بسطِ ألسِنَتِهم فيه!» (١).
إنَّما أغلبُ كتاباتِ (الغزاليِّ) ديدنُها هذه الرَّغبة الجامحة في نفسه؛ وقلمُه وإن لم يتسِّم بتحقيقٍ عميقٍ للمَسائل، ولا سَردٍ طويلٍ للنُّقول، لكنَّه كان -والله- مُشبعًا بعاطفةٍ إسلاميَّةٍ جَيَّاشةٍ، ورُوحٍ أُستاذيَّةٍ راقيةٍ، تُرَبِّي قُرَّاءَها على تَمثُّلِ الدِّين في تَعاليمِه، وتَفهُّمِ أحكامِه في ضَوءِ مَقاصِدِه.
لقد ساعَدَ (الغزاليَّ) في بَثِّ تَصوُّراتِه للدِّين والحياة قَلَمٌ حُلوٌ وارِفُ البَيان، يُؤنِس القلبَ، ويَبسُط على قارئِه ظِلالًا مِن السَّكينة؛ يُخيَّل إليك سَماعُ صَريفِ قَلَمِه -وإنْ خالَفْتَه- لحُسنِ تَعابيرِه، فلَكَم جَعَلتني رَشاقةُ أسلوبِه في مَعيَّةِ بَسْمَةٍ، ولو رَكِبَ فيها متنَ الخصومةِ، وتَوَقَّدَ بنارِ الاستخفافِ! بمُعجَمِ ألفاظٍ لا تكاد تجِده عند أقرانِه مِن الكُتَّاب الإسلامِيِّين، وطريقة بَيانيَّة هي عندي مِن أحسنِ ما يُقَدَّم به العلمُ والفكرُ في قالبٍ جمَاليٍّ، لا تطغى عليه طَرَاوة الصَّنعةِ اللُّغوية، ولا يُعاني مِن جَفافِ الكتاباتِ الفكريَّةِ الصِّرفةِ.
(١) «السُّنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٤٠).