للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنَّاسُ مع ذلك قَلَّ أن يذكروه إنْ تذاكروا أربابَ البَيانِ في زماننا هذا!

الفرع الأوَّل: مَوقف محمَّد الغَزالي مِن الأحاديث النَّبويَّة.

إذا قصَرْنا توجيهَ كشَّافاتِ البحثِ المنهجيِّ إلى مَوقفِ (الغزاليِّ) مِن أحاديثِ السُّنةِ عمومًا، سنجِدُ أبرزَ مشروعٍ سارَ عليه قد جَلَّاه في أواخرِ ما سَطَّره مِن مُؤلَّفاته، أعني به كِتابَه «السُّنة النَّبوية بين أهلِ الفقه وأهلِ الحديث»، في الفَصلين السَّادس والسَّابع منه خاصَّة، مع بعضِ فصولٍ قليلةٍ في بعضِ مُؤلَّفاته الأخرى، تَناوَلت هذا المَوضوع الجليلَ.

هذا الكتابُ حَظيَ بقَبولٍ وسَخَطٍ كبيرين في السَّاحة الفكريَّة وقت صدروه: قَبولٍ مَمزوجٍ بالدَّهشةِ والاستحسانِ مِن قِطاعٍ واسعٍ مِن دُعاةِ الحَداثةِ وأدعياءِ التَّجديد (١)، بل ثناءٍ من بعضِ الشِّيعةِ له بـ «الشَّيخَ المُجاهد» (٢) لأجلِ ما أشعله فيه من نيران الحرب مع أهل الحديث؛ وسَخَطٍ لم يَكظِمه شُداة الآثارِ، حتَّى بَثُّوه في ردودِهم المُتكاثرةِ على كتابِه (٣).

فهما فريقان مُتناقِضان، قد ساهما في الرَّواجِ لكتابِه، ما جَعَله يُطبَع سبعَ مرَّاتٍ في وقتٍ وجيز!

وعِلَّة هذا القبول والسَّخط العارمين: أنَّ الغزاليَّ في كتابِه قد اختارَ النِّزالَ في ساحةٍ وَعِرة، يقتحِمها المُبَشِّرون والكائِدون للإسلام منذ قرونٍ -أعني مَيدانَ السُّنة- بتَصَيُّدِ غَريبِ الحديث، وتَتبُّعِ المُتشابِهات فيه، أو إقامةِ قضيَّةٍ على ما يظنُّون أنَّه مُناقضٌ للعَقلِ أو العلمِ؛ فكان خَوضُ عِراكٍ في هذا المَيدانِ أشبهَ


(١) مِمَّن استشهدَ به في كتاباتِ العَلمانيِّين: نضال عبد القادر في كتابه «هموم مسلم» (ص/١٠٢، ١٠٩).
(٢) أعني به جعفر السُّبحاني في كتابه «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/٧٢).
(٣) من ذلك: كتاب «المِعيار لعلم الغَزاليِّ» لصالح آل الشيخ -وزير الأوقاف السُّعودي سابقًا-، و «سَمط الآلي في الرَّد على الغزالي» لأبي إسحاق الحويني، لم يَخرُج منه إلَّا طليعَتُه، و «براءة أهل الفقه والحديث من أوهام الغزالي» لمصطفى سلامة، و «الشَّيخ محمَّد الغزالي، بين النَّقد العاتب، والمدح الشَّامت» لمحمد جلال كشك، وأشهرُها كتاب د. سلمان العودة «حوار هادئ مع الغزالي»، وإن أبدى صاحبُه بعد ذلك نَدَما على إخراجِه له وأسلوبِه فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>