للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمَلحَمةٍ يقتحِمُها المُجاهِد، لا يَكادُ يَسلَمُ فيها مِن خَدْشٍ أو جَرحٍ، بل قَتْلٍ! إنْ هو لم يُحسِن تَصوُّرَ خُطَطِ مَن يُواجِههُ، أو لم يُتقِن استعمالَ سِلاحِه ذَبًّا عن قَضيَّتِه.

فهذا الَّذي أُراه حالًا للغَزاليِّ في كتابِه؛ فإنَّا وإن شَكَرنا له ما انطوى عليه مِن نَقداتٍ مَنهجيَّةٍ راجِحة، وتوجيهاتٍ تَربويَّةٍ ناجعة، فإنَّا لا نخفي أسَفنا على منهَجِه الَّذي ارتضاه فيه لنقد الأحاديث، حيث اعتمد على مِعيارٍ عَقليٍّ نِسْبيٍّ مُتمَخِّضٍ -أحيانًا- عن ذَوقٍ شَخصيٍّ، يَشذُّ بهما كثيرًا عن جماعاتِ العلماءِ قديمًا وحَديثًا.

ذلك أنَّ النَّظرَ عند (الغزاليِّ) في المتونِ هو الأساسُ الأمتَنُ في تميِيزِ المَقبول مِن الأخبارِ، قد أعلنَ عن ذلك في مَواضعَ من كُتبِه، مثل ما ذَكر من أنَّه قد يَحتجُّ بالضَّعيفِ وإن بانَ سَقَطُ إسنادِه لإعجابِه بمَعناه، ويرفضُ في المقابل ما اتُّفِقَ عليه مِن الصِّحاحِ إذا استنكرَها فهمُه؛ هذا مُرتكزُه الأساسُ في قَبولِ الحديث، ثمَّ يأتي الإسنادُ بعدَ المتنِ في الأهميَّة، وقد يَفقِدُ المتنُ الأهميَّةَ عند تَصدُّع الأوَّل حسب قولِه.

فاسمَعه وهو يَتعقَّبُ الألبانيَّ تضعيفَه حديثًا ضَمَّنَه كتابَه «فقه السِّيرة» قائلًا:

«قد يَرى الأستاذ المُحدِّث أنَّ تحسينَ التِّرمذي وتصحيحَ الحاكم لا تعويلَ عليهما في قَبولِ هذا الحديث، وله ذلك؛ بيدَ أنِّي لم أجِدْ في المطالبةِ بحُبِّ الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم ما يحملني على التَّوقُّفِ فيه، ولذلك أثبتُّه وأنا مُطمئِنٌّ! وفي الوقتِ الَّذي فسحتُ فيه مكانًا لهذا الأثرِ على ما به، صَدَدتُّ عن إثباتِ روايةِ البخاريِّ ومسلم -مثلًا- للطَّريقةِ الَّتي تَمَّت بها غزوةُ بني المُصطلق!» (١).

وقال: «قد قبِلتُ الأثرَ الَّذي يَستقيمُ متنُه مع ما صَحَّ مِن قواعدٍ وأحكامٍ، وإنْ وَهِيَ سَندُه، وأعرَضتُ عن أحاديث أخرى توصف بالصِّحة؛ لأنَّها -في فهمي لدين الله، وسياسةِ الدَّعوة- لم تنسجم مع السَّياقِ العامِّ» (٢).


(١) «فقه السيرة» (ص/١٢).
(٢) «فقه السيرة» (ص/١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>