للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان الفَرض في مَن يَدَّعي نقدَ الأحاديث من خلال متونها، أن يكون حاذِقًا بالمَعاني الظَّاهرةِ والمُودَعةِ فيها، ليَتوَصَّل إلى كشفِ ما يجوز نِسبتُه إلى الشَّارِع وما يمتنِعُ.

فأمَّا أن يكون النَّاقد عاجزًا عن تحقيق المَعنى المُراد مِن الحديثِ ابتداءً، فضلًا عن نفيِه الفائدة منه بالمَرَّة (١)، مع ما يحتويه الخَبر مِن كنوز مَعرفيَّة يستنْبطها فقهاءُ الحديث: فالحَرِيُّ بمثله التَّورُّع عن اقتحامِ سِياجِ المتون، وترك الاعتراضِ على أهلِ الحديثِ في صنعَتِهم، بله التَّعريضِ بأفهامِهم.

فأيُّ اعتبارٍ -إذن- لرفضِه حديثَ دِيَةِ المرأةِ، مع أنَّ مضمونه كلمة إجماعٍ بين أهل الفقه والحديث إلَّا مَن شذَّ (٢)! وإزراءه بأهلِ الحديثِ وحدِهم لأنَّهم اعتمدوه! واصفًا فِعلَهم بأنَّه «سَوْءَة فِكريَّة وخُلقيَّة» (٣)! ناسبًا نُكرانه له إلى «الفقهاءِ المُحَقِّقين»! (٤)

فلستُ أدري، مَن يعني بهؤلاء الفقهاءِ المُحقِّقين، وأنَّا هو كلامُهم في رفضِ الحديث؟!

ثمَّ أيُّ اعتبارٍ لامتعاظِ (الغزاليِّ) من كلامَ ابنِ خُزيمة والمَازريِّ ومَن وراءهم مِن فقهاء الحديث في تَوجيهِ حديثِ لطمِ موسى للملَك؟! توجيهًا وصَمَه بالسَّطحيَّة فقال: «هذا الدِّفاع كلُّه خفيفُ الوزن! وهو دفاعٌ تافهٌ لا يُساغ! .. والعِلَّة في المتنِ يُبصرها المُحقِّقون، وتخفى على أصحابِ الفكرِ السَّطحيِّ» (٥).


(١) كما تراه -مثلًا- من دعوى (الغزاليِّ) في «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٣٤) على حديثِ لطمِ موسى عليه السلام للمَلَك كونَه «لا يَتَّصِلُ بعقيدةٍ، ولا يرتبط به عملٌ»، ونَفيِه أن يَتَعلَّق حديثُ الذُّبابِ «بسلوكٍ عامٍّ أو خاصٍّ» كما قال في «قذائف الحق» (ص/١٤٩).
(٢) انظر «الاستذكار» لابن عبد البر (٨/ ٦٧) و «المغني» لابن قدامة (٨/ ٤٠٢).
(٣) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٢٥).
(٤) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٢٥).
(٥) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>