للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع أنَّ أهلَ السُّنة -وإليهم ينتسبُ (الغزاليُّ) - قابلون لهذا الحديث، مُقِرُّون بصحَّتِه، منذ عهدِ الرَّواية إلى يومِ النَّاس هذا، لا يُعلَم منهم للحديث غامِزٌ، إلَّا ما كان من بعضِ شَراذمِ الاعتزالِ؛ أفيُعقل ألَّم يَكُن في أولاء عبر تلك القرون المتعاقبة «مُحَقِّقون» يَتَفطَّنونَ لزَيغِ الحديثِ كما تَفطَّنَ؟!

هذا؛ وهو الَّذي يؤكِّد مِرارًا بأنَّه «مع جمهرةِ الفقهاءِ، والمُتحَدِّثين عن الإسلام، وليسَ صاحبَ مَذهبٍ شَاذٍّ» (١).

بل ما أجدر بهذا الحديثِ المُستنكَر عند (الغَزاليِّ)، أن تَتَنزَّل عليه قاعدته الَّتي قعَّدها هو نفسه حينَ قال: «إذا استجمَعَ الخبرُ الَمرويُّ شروطَ الصِّحةِ المُقرَّرة بين العلماء، فلا معنى لرفضِه، وإذا وَقَع خلافٌ مُحترَم في توفُّرِ هذه الشُّروطِ، أصبح في الأمرِ سَعةٌ، وأمكنَ وجودُ وجهاتِ نَظرٍ شَتَّى» (٢).

فآهٍ للغَزاليِّ! لو مشى على هذا الصِّراط المستقيم في تَعاملُه مع ما أعَلَّ مِن أحاديث صِحاحٍ، إذن لسَلِمَ مِن عارِها وشُؤمِ نُكرانِها، ولَما تجرَّأ عليه أحَدٌ بالتَّجهيلِ في هذا الفنِّ الأصيلِ مِن علوم الآلة.

فهذه الأمثلة وغيرها مِمَّا أظهرناه من تقريراتِ (الغزاليِّ)، شاهدة على طريقةِ تعامُلِه مع ما يستغلق عليه فهمه وقبوله من الصِّحاحِ، ومَن رَأَى مِن السَّيفِ أثرَه فقد رَأى أكثرَه!

ولَكم حزنتُ أن أرى داعيةً في مثلِ مَقامِه يَستهتِرُ في كلام له عن جُملةٍ مِن الأحاديثِ النَّبويَّة، بنوع تعبيراتٍ يَلوحُ منها ما يكتنِفُه مِن تَوتُّرٍ نفسيٍّ تُجاهَها، أجزِمُ أنَّ ألفاظها جانبت الصَّوابِ وجفت عن كمالِ الورَعِ، مهما كانت بَواعث صاحبها إلى ذلك.

وإلَّا فأخبرني أخي القارئ: ما تستشعره ذائِقتُك وأنتَ تقرأ نعتَه للأحاديثِ النَّبويَّة بـ «رُكام المَروِيَّات»؟! (٣)


(١) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٨) بتصرف يسير.
(٢) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٣٤).
(٣) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>