للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الفِكر: فأصل مادَّته يُفيد تَردُّدَ القلبِ في الشَّيء، فيُقال: تَفكَّرَ، إذا رَدَّدَ قلبَه مُعتَبِرًا (١)، أو: هو إعمالُ الخاطِر في الشَّيء (٢).

وأمَّا في الاصطلاح: فعَرَّفه الجُرجانيُّ بأنَّه: «ترتيب أمورٍ مَعلومةٍ لتُؤدِّي إلى مَجهولٍ» (٣).

وقال الأصفهانيُّ: «قوَّةٌ مُطرِقةٌ للعلمِ إلى المَعلومِ، والتَّفَكُّر: جَوَلَان تلك القُوَّة بحسبِ نَظَرِ العقلِ» (٤).

وإن حاوَل بعض المُعاصرين تجديدَ التَّعريفِ له بما يُوائم حادثاتِ العصر، فلم يَعدُ جُهدُه أنْ مَطَّطَ تعريفَ المُتقدِّمين (٥)؛ ولا شكَّ أنَّ في ذاك التَّعريف القديم نوعَ تَعميمٍ لموضوعِ الفِكرِ وكيفيَّتِه، لا يُناسبُ استعمالاتِنا المُعاصرة لهذا المُصطلحِ، وفي بحثنا هذا بخاصَّة.

فكان الأقرب عندي في تعريف الفِكر هنا أن يُقال: هو إعمالُ الذِّهن في مَعلوماتٍ مَخصوصةٍ، للوصولِ بها إلى نَظريَّاتٍ أو أحكامٍ كُليَّةٍ تَتَعلَّق بمُختلفِ مَناحي الحياة الإنسانيَّة.

فظاهرٌ مِن هذا التَّعريف للفِكرِ: أنَّه مُستلزمٌ للتَّرابُطيَّةِ في مَنهجيَّتِه لا عَبثيًّا، وشُموليًّا في رُؤيتِه، لا مَحصورًا في جُزئياتٍ دقيقة؛ ويتركَّز استعمالي للتَّعريف في شَطْرِه الثَّاني على وجهِ الخصوص، أعني نفسَ النَّظريَّاتِ، والأفكار الكُليَّةِ، والتَّصوُّرات القِيمِيَّة التَّي تَصدُر مِن فِئةٍ ما، نحو أيِّ مَلْمَحٍ رَئيسٍ مِن مَلامِح الحياةِ الإنسانيَّةِ.


(١) «مقاييس اللغة» (٤/ ٤٤٦).
(٢) «لسان العرب» (٥/ ٦٥) مادة: (فكر).
(٣) «التعريفات» للجرجاني (ص/١٦٨).
(٤) «المفردات» للأصفهاني (ص/٦٤٣).
(٥) كما تراه عند طه جابر العلواني في كتابه «الأزمة الفكرية المعاصرة» (ص/٢٧) حيث قال: «الفكر اسم لعملية تردد القوى العاقلة المفكرة في الإنسان، سواء أكان قلبا أو روحا أو ذهنا بالنظر والتدبر، لطلب المعاني المجهولة من الأمور المعلومة، أو الوصول إلى الأحكام أو النِّسَب بين الأشياء».

<<  <  ج: ص:  >  >>