للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يُمكِّنُني هذا المُصطلح بهذا الاعتبارِ أن أُدخِل في أصحابِ الفكرِ من كان مُنتسِبًّا منهم لطائفةٍ عَقديَّةٍ، أو مذهبٍ فقهيٍّ، أو تيَّارٍ فَلسفيٍّ ونحوه.

فعلى هذا يتبيَّن مُرادي بـ «المُعارضات الفكريَّة»: أنَّها المُقابلة بين دَليلين على وجهِ المُمانعةِ، حاصلٌ بإعمالِ الذِّهنِ فيهما، واردٌ مِن فئةٍ تجمعها مَنظومةُ أفكارٍ مُشتَرَكة، سواء ابتَنت أفكارَها هذه على أصولِ دينٍ أوْ لا؛ وذلك لتشملَ المُعارضاتِ الصَّادرةَ عن التَّيارات الَّتي تنتسِبُ في أصلِ وجودِها إلى الإسلام: كالعقلانيَّة الإصلاحيَّة، والشَّيعة الإماميَّة، والقرآنيَّة مُنكري السُّنة، والإباضيَّة، ونحوها؛ أو عمَّن كان أصلُ نشأتِها مِن خارجِه: كالعَلمانيَّة، والحَداثة التَّنويريَّة، ونحوها.

وأمَّا تَقْيِيدي لهذه «المُعارضاتِ الفكريَّةِ» بوصفِ «المُعاصرِة»: فأصلُ هذه الكلمة مُشتقٌ مِن (العَصْرِ)، ولها عِدَّة مَعانٍ، ومُرادنا من ذلك ما كان بمعنى: الدَّهْر (١)، ومجيئها هنا على وزنِ مُفاعِلة، أخذًا مِن (التَّعاصُر): وهو التَّشارُك بالعَيْشِ في عصرٍ واحدٍ (٢).

والَّذي أعنيه بالعَصْرِ في بحثي هذا: الحِقبة الزَّمنية الحديثَة الَّتي تمتَدُّ لقُرابةِ قرنٍ أو يَزيد بقليل، تبدأُ عندي مِن عَهْدِ انبعاثِ محمَّد عبدُه (ت ١٣٢٣ هـ) -إذ كان أوَّلَ مُفكِّرٍ شرعيٍّ وازِنٍ بَدَأت مَوجةُ الاستنكارِ لصِحاحِ السُّنة تَتَعالى بعده تِباعًا- إلى زمَن رَقَمي لهذا البحث.

فعِنايَتي إذن ستنصبُّ على نَقْدِ المُعارضاتِ الفِكريَّةِ الصَّادِرةِ مِن كُتَّابِ هذه الحِقبةِ الزَّمنيَّةِ أصالةً؛ فإن رأيتني نقدتُ ما صَدَر عَمَّن قبلَهم، فإنَّما ذلك تَبَعًا وتكميلًا لِما هو أصيلُ البحث.

أمَّا علَّة اختيارِي لمُعارضاتِ المُعاصرين دون مَن سبق: فلِأنَّ مُعارَضاتِ المُعاصِرين قد احتَوَت ضِمنًا شُبهات الأوَّلين، ثمَّ زادوا عليها مِن شُبهاتِهم


(١) «تهذيب اللُّغة» للأزهري (٢/ ١٠)، و «مقاييس اللغة» (٤/ ٣٤٠).
(٢) «معجم اللُّغة العربية المعاصرة» (٢/ ١٥٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>