للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظير هذا الزَّيغ العلميِّ عند (الكرديِّ)، ما تَراه أحيانًا من طعنه ببعضِ أخبارِ «الصَّحيحين» لمجرَّد اختلافٍ يَسيرٍ في بعضِ ألفاظِها بين رواياتها! مع كون هذا الخلاف غير مُؤثِّر في أصلِ الرِّواية؛ مثل اختلافِ الرِّواياتِ في سِعرِ جَملِ جابر رضي الله عنه (١).

أو تراه أخرى يَردُّ جُملةً كاملة من حديثٍ بدعوى أنَّها مقحمةٌ مِن الصَّحابيِّ! كادِّعائِه تفرُّدَ أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «إذا هَلَك قيصرَ، فلا قيصر بعده» (٢)، مع أنَّه قد شارَكَه في روايتِها جابر بن سمرة رضي الله عنه (٣).

والَّذي يدُلُّك على عَجَلة الرَّجل في النَّقد، وارتِمائه على الصِّحاحِ بالطَّعنِ من غير تَريُّث: تَهوُّره في نسبةِ حديثٍ منكرٍ إلى «صحيح مسلمٍ» وليس فيه! أعني حديثَ ابن مسعود رضي الله عنه الَّذي طَرفُه: «يكون أمراءُ يقولون ما لا يفعلون .. » (٤)؛ مع أنَّ مُسلمًا قد أعرضَ عن هذا الحديث، وخَرَّج حديثًا آخرَ في «صحيحِه» في بابه، وهو حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «ما مِن نبيٍّ بَعَثه الله في أمَّةٍ قبلي إلَّا كان له حواريُّون وأصحاب .. » (٥)، فاختلطا على (الكرديِّ)! وزاد على قبح جهلِه أن عاتب مسلمًا على مُخالفة أحمدَ بن حنبلٍ (٦) في إنكارِه!

وأمَّا في الفصلين الأخيرين مِن كتابه:

فقد أبان فيهما (الكرديُّ) عن ما يراه اكتشافًا لسرِّ كثرةِ المتونِ المَعلولةِ في «الصَّحيحين»! ما سمَّاه بـ «ثغراتٍ في البناءِ السَّنَدي المُحكَم» (٧)، فكان أبرزُ ذلك


(١) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/١٣).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: فرض الخمس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلت لكم الغنائم»، رقم: ٣١٢٠)، ومسلم في (ك: الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، رقم: ٢٩١٨).
(٣) أخرجه البخاري في (ك: فرض الخمس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلت لكم الغنائم»، رقم: ٣١٢١).
(٤) أخرجه أحمد في «المسند» (٧/ ٤١١، رقم: ٤٤٠٢).
(٥) أخرجه مسلم في (ك: الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، رقم: ٥٠).
(٦) «السنة» للخلال (١/ ١٤٢).
(٧) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٢٤٧، ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>