للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند مسلم: « .. فأمَّا النَّار فلا تمتلئ حتَّى يضع الله تبارك وتعالى رجلَه، تقول: قط، قط، قط! فهنالك تمتلئ، ويُزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله مِن خلقِه أحدًا، وأمَّا الجنَّة فإنَّ الله يُنشئ لها خلقًا» (١).

يقول الكُرديُّ فيه: «إنَّ في متنِه خَللًا في المعنى، لأنَّ الجنَّة والنَّار غير عاقلتين فتتكلَّمان! .. » (٢)، و «أغلبُ الظَّنِ أنَّ واضعَ هذا الحديثِ، يُريد أنْ يُفسِّر بهذا قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: ٣٠]، مع أنَّ أدنى مَن له إلمامٌ وتَذوُّق للُّغة العربيَّة، يُدرك تمامًا أنَّ الآيةَ بَيانٌ بَلاغيٌّ تخويفيٌّ، رائعُ التَّعبير عن مَدى سِعةِ جهنَّم» (٣).

ونقول جوابًا للكرديِّ: مَن له أدنى إلمامٌ وتَذوُّق للُغة العرب يعلمُ أنَّ حملَ الألفاظِ على الحقيقةِ هو الأصلُ الَّذي لا يُحاد عنه إلَّا بقرينةٍ توحي بالمَجاز (٤).

فأين هذه القرينة في الآيةِ أو خارِجَها؟!

وأيُّ مانعٍ شرعيٍّ أو عقليٍّ يَحول دون أن يُنطِق الله جَهنَّم أو الجنَّةِ، وأن يجعل فيهما قدرة التَّمييز إذا أرادَ ذلك؟! وإن كان «لا يَلزم مِن هذا، أن يَكون ذلك التَّميِيزُ فيهما دائمًا» (٥).

فالأصلُ على هذا أنَّ الآيةَ جاريةٌ على التَّحقيقِ، وقِياس عالمِ الغَيب على ما عندنا في عالمِ الشَّهادة باطلٌ؛ وعلى فَرضِ احتمالِها لكِلا الحقيقةِ والمَجاز، فقد جاءت السُّنة الصَّحيحة تُعيِّن المُرادَ منهما، فوَجَب الأخذُ بها مُبيِّنةً، وطرحُ أيِّ اجتهادٍ عَداها (٦).


(١) أخرجه مسلم (ك: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم: ٢٨٤٦).
(٢) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/١٦١).
(٣) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٢٠٨).
(٤) انظر «إرشاد الفحول» للشوكاني (٢/ ٢٦٩).
(٥) «شرح النووي على مسلم» (١٧/ ١٨١).
(٦) سيأتي تفصيل الردِّ على الشُّبهات المُثارة على هذا الحديث في مبحثِه المُناسب من هذا البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>