للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحين أحسَّ (عفانة) بتَماشي كلامِه في هذا الباب مع ما يقوله القرآنيُّون وانسجامه مع تأصيلاتهم، سارع لردِّ هذا التَّلازم بتغليطِ مَن يفهم من كلامِه ذلك، وذلك -في رأيِه- أنَّ القرآنيِّين ساعون في إسقاط السُّنة كلِّها، أمَّا هو فساعٍ في إسقاطِ شطرِها فحسب! إذ أنَّ «ردَّ السُّنة كلِّها سوف يؤدِّي إلى مشاكل وصعوبات كبيرة في فهم القرآن وتطبيقاته العمليَّة» (١).

مهَّد المؤلِّف كتابه بمقدِّمة بيَّن فيها موقفه مِن «الجامع الصَّحيح» في الجملة، حيث شَرَح متأسِّفًا ما آلَ إليه هذا الكتابُ مِن تقديسٍ عند العامَّة نتيجةَ تسلُّطِ الجهلِ والتَّقليدِ والخُرافة عليهم قرونَ مُتطاولة، فكان أن عبَّر عن هذا الواقعِ المُتوهَّم بصياغةٍ دراميَّةٍ قال فيها:

« .. وسَادَ الجهل، وصارَ فهم القرآن عزيزًا بعد اعتماد المسلمين التَّقليدَ منهجًا، والخرافةَ ديدنًا، إثرَ تخلِّيهم عن المنهجِ العلميِّ العقليِّ القرآنيِّ؛ تمسَّك جمهور المسلمين بـ «صحيح البخاري» تمسُّكًا شديدًا، وأنزلوه منزلةً عظيمةً، حتَّى قال أحدهم: هو أصحُّ كتاب بعد كتاب الله تعالى!

وعلى الرَّغم مِن أنَّ هذه العبارة لا تعني أنَّه صحيحٌ كلُّه، إلَّا أنَّه قد خرج علينا بعض المُقلِّدين في العصورِ المُتأخِّرة بعبارةٍ تقول: صحيحَا البخاري ومسلم، تَلقَّتهما الأمَّة بالقَبول، لشيءٍ لا يجعله مَصدرًا شرعيًا .. » (٢).

العجيب المُضحك حقيقةً، أنَّ (عفانة) حين أراد تسويغَ ما اجترحته يَداه من عَبَثٍ في نقد كتاب البخاريِّ، ردَّ فكرةَ كتابِه إلى أحدِ أعلامِ الحنفيَّة السَّابقين، مُعتبرًا إيَّاه نابِعًا مِن نفسِ الهمِّ الَّذي احتمَله في كتابه على السُّنة، فاعجب له وهو يقول:

« .. استمرَّ الحال على ذلك قرونًا، حتَّى جاء أبو العباس زين الدِّين أحمد بن محمد بن عبد اللَّطيف الشَّرجي الزَّبيدي رحمه الله في القرنِ التَّاسع الهجري، فجرَّدَ


(١) «دور السُّنة في إعادة بناء الأمَّة» (ص/٢٧٩).
(٢) «صحيح البخاري مخرج الأحاديث محقق المعاني» (١/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>